انشغالات وهموم أدب الصحراء

2024-03-29T16:08:14+00:00
2024-04-03T14:30:02+00:00
كتاب واراء
29 مارس 2024
انشغالات وهموم أدب الصحراء
رابط مختصر
مصطفى لغتيري

مصطفى لغتيري

يطلق أدب الصحراء عموما على النصوص الأدبية التي اتخذت من الصحراء موضوعا لها، وذلك من خلال اتخاذها فضاء للمتون السردية مثلا، او باستثمار مكوناتها الطبيعية في رسم العلاقات الاجتماعية، التي تنتج عن استقرار السكان فيها، وحتى في حالات ترحالهم، التي كانت صفة مميزة للصحراء وساكنيها إلى زمن قريب، بل ما زالت ظاهرة البدو الرحل تهيمن على بعض المناطق داخل المجال الصحراوي، يمارسه ساكنة الصحراء رفقة ماشيتهم ودوابهم بحثا عن الكلأ، فحيثما وجد الخصب استقروا هناك إلى حين، ولما ينعدم الكلأ يضربون في الأرض بحثا عن موضع آخر، يضمن لماشيتهم العشب الذي تتغذى عليه، وهم في تنقلهم هذا لا يعترفون بالحدود ما بين منطقة وأخرى، بل حتى من بلد إلى آخر كما يحدث بين صحراويي المغرب وصحراويي موريتانيا مثلا، كما انهم أحيانا يتوغلون بإبلهم في أراضي وسط المغرب، حيث الأرض اكثر خصوبة، فتقوم بسبب ذلك بعض المشاكل والخصومات، التي تتكرر سنويا في الأراضي المتاخمة للصحراء، وتنقل وسائل الإعلام سنويا صدى هذه الأحداث، وقد برز في هذا النوع من الأدب مبدعون عرب مشرقا ومغربا، ساهموا بفعالية في إبراز هذا النوع من الكتابة، ومن بين هؤلاء الكاتب السعودي عبد الرحمن منيف، الذي يرتبط اسمه برائعته مدن الملح، بالإضافة طبعا إلى روايته شرق المتوسط ذائعة الصيت، وقد انكب في خماسيته تلك بكثير من الانهماك على الصحراء في شبه الجزيرة العربية، إذ رصد من خلالها التحولات العميقة التي طالتها، ارتباطا مع اكتشاف البترول، الذي جعل الانتقال من البداوة إلى التحضر سريعا ومربكا، مما خلق ظواهر اجتماعية جديدة ومعقدة تستحق التأمل، وهي بالتالي تعد موضوعا شيقا للكتابة عموما، وللإبداع الروائي خصوصا، ولعل ذلك مما أهل خماسية منيف سالفة الذكر للتألق، وتحظى بالتالي بتلق متميز على المستوى العربي، خاصة وأن النبش في الصحراء لم يكن موضوعا متداولا من طرف الروائيين قبل ذلك التاريخ، فالرواية كما هو معروف ظهرت وتربت وازدهرت في حضن المدينة، غداة الثورة الصناعية وظهور طبقة البرجوازية في أوروبا، مما يجعلها فنا مدينيا بامتياز، كما يمكن التوقف، في هذا الصدد، عند تجربة الكاتب الليبي ابراهيم الكوني، الذي وضع بلدا مثل ليبيا لم يكن معروفا على المستوى الروائي على خارطة السرد الروائي العربي، فقد تخصصت كتاباته الروائية في الصحراء، فأبدع لنا – نتيجة لذلك- نصوصا أدبية نالت كثيرا من الاهتمام، حتى أنها ترجمت لعدد من اللغات، ونال عليها جوائز مرموقة عربيا ودوليا، ومن ببن هذه الروايات رواية “التبر”، التي رصد فيها الكوني علاقة الإنسان الصحراوي بالحيوان وخاصة الجمل، الذي لا يمكن ذكر الصحراء دون ان يطفر إلى الذهن هذا الحيوان، الذي يعد بحق سفينة الصحراء، ورمزا للصبر والتحمل في بيئة تتميز بالصعوبة، وقد استطاع الكاتب في هذه الرواية رسم تفاصيل العلاقة المميزة، التي تجمع ابن الصحراء بالجمل بشكل بديع، تصل أحيانا إلى أنسنة هذا الحيوان، ومشاركته للشخصية الرئيسة في الرواية “أوخيد” البطولة داخل المتن الروائي. هذا فضلا عن تقديم صورة بانورامية عن الصحراء وظروف العيش فيها، التي تتميز بالقسوة والشدة، حتى أنه يستحيل فيها العيش أحيانا، لكنها بالمقابل تجعل الذهن حادا والأحاسيس يقظة، لأن ذلك هو السبيل الوحيد للحفاظ على الحياة في فضاء يكون فيها الصراع من أجل البقاء في ذروته.
وحين ننتقل إلى المغرب نجد هذا النوع من الأدب حاضرا، وإن كان بشكل لا يرقى إلى التطلعات، فعدد الكتاب المهتمين بهذا النوع من الكتابة يبقى محدودا إلا فيما يخص الشعر الحساني، الذي يظل طاغيا في هذا المجال، وهذا الامر ينسجم مع طبيعة الصحراء، التي يغلب عليها الطابع البدوي، مما يجعل أدباءها ينتصرون للبعد الشفاهي في الأدب، فيجدون ضالتهم في الشعر الحساني على الخصوص، وقد رصدت بعضا من ذلك الباحثة العالية ماء العينين في كتابها “ثقافة الصحراء- مقالات في الأدب والتاريخ والثقافة الشعبية”.، لكن ذلك لم يمنع من ظهور أدباء يوثقون للصحراء وتفاصيلها كتابة، ويمكن ان نذكر في هذا الصدد محمد باهي، الذي أنتج كتابات عديدة في هذا المجال، وابراهيم الحيسن صاحب كتاب “ثقافة الصحراء”، أما على مستوى الكتابة السردية قصة ورواية، فيمكن الإشارة هنا إلى الكاتب عبد العزيز الراشدي صاحب “بدو الحافة” والكاتبة البتول المحجوب صاحب رواية “بوح الذاكرة وجع جنوبي” وفتيحة بوجدور صاحب “حصاد الجدائل” ومحمد سالم الشرقاوي في رواية “قدر الحساء” كما صدرت حديثا رواية للكاتب محمود ايت الحاج اتخذت من الصحراء فضاء، ومن معاناة الإنسان داخل هذا الفضاء القاسي ثيمتة، لا تكتفي برصد قسوة المجال الجغرافي وتاثيراته القوية على معيش السكان، بل تحاول كذلك ملامسة قسوة الإنسان ضد أخيه الإنسان من خلال نكأ جرح مشاكل الحدود بين الدول، واصطناع كيانات وهمية تكرس التشردم، وتلقي بالانسان في دائرة اليأس والإحباط، كما هو الشان بالنسبة لمنطقة تندوف، التي تشهد على أطول معاناة إنسانية، بسبب تشريد عدد من سكان الصحراء المغربية، في محاولة لإقامة كيان وهمي، يتعزز باستغلال وتوظيف ساكنة دول إفريقية مجاورة، ويحدث كل ذلك برعاية من دولة عربية شقيقة وهي الجزائر، وفوق ترابها.
وتسعى كل هذه الكتابات الإبداعية جاهدة لتقربنا من هموم ومشاغل وأحلام الإنسان الصحراوي، الذي تنحت الصحراء ملامحه الجسدية والنفسية كذلك. ويمكن أن نلاحظ كذلك أن هذه الكتابات السردية تقارب جل لثيمات التي يهتم بها الأدباء عموما في المغرب، عدا طبيعة الفضاء الذي يتميز بالامتداد الصحراوي، الذي له خصائصه المميزة، بالإضافة إلى بعض الخصوصيات التي تكون نتيجة منطقية لتأثير المكان على نفسية الناس الذين يضطربون فيه