درس سوريا

2024-12-11T06:01:21+00:00
2024-12-19T13:51:15+00:00
كتاب واراء
11 ديسمبر 2024
درس سوريا
رابط مختصر
سعيد جعفر

سعيد جعفر*

بغض النظر عن تعاطفي الإنساني والوجداني مع سوريا التاريخ والحضارة، وأسفي على الأيام السوداء التي سيتعرض لها علماء ومثقفو ومفكرو وفنانو ورموز وشعب سوريا،
فإني ما حدث في سوريا يعطي دروسا للجميع ويهمني المغرب بالدرجة الأولى.

كنت شابا في الشبيبة الاتحادية في 2003 عندما وقعت أحداث 16 ماي الإرهابية، وليلتها كنت تكلفت، كسكرتير تحرير جريدة “النهار المغربية” الأسبوعية، بإنجاز ملف حول تفجيرات الدار البيضاء.

قضيت ليلة 16 ماي والليالي الثلاث التي تلتها في الدار البيضاء، حيث أعددت مواد وأجريت تصريحات وتفضل مدير النشر السيد عبد الحكيم بديع بوضع عنوان دال للعدد “في بيتنا إرهابي”، وقد كان الأستاذ بديع موفقا في الاختيار لأنه فعلا فوجئ الجميع بوجود إرهابي من بين أبنائنا وإخوتنا.

إن ما يمكن استنتاجه من درس سوريا، هو أنه يجب أن نستمر في دمقرطة الدولة ودمقرطة المجتمع، وأننا يجب أن نتقدم أكثر في الاختيار الديمقراطي الذي جعله الدستور ثابتا من ثوابت المملكة.

كان سي محمد اليازغي كاتبا أول للحزب عندما استغل الأحداث ليدعو بحل حزب العدالة والتنمية لمسؤوليته المعنوية في التفجيرات، وأتذكر أني كنت كتبت مقالا في الجريدة، قلت أن موقف سي اليازغي ينطلق من موقف ايديولوجي ونفسي ضيق لا يليق برجل دولة وسياسي كبير المفروض فيه التفكير بمنطق التاريخ والدولة وليس بمنطق الحزب والعشيرة، ولا يرقى لأفق البناء الديمقراطي الذي نسعى إليه،

في حمأة التقاطب الايديولوجي وسخونة الفضاء العام آنذاك تعرض موقفي لكثير من الرفض في صفوف الشبيبة الاتحادية التي كان أغلب أعضائها موالين للأستاذ اليازغي، وفعليا بدأ طرح الدعوة لحل حزب العدالة والتنمية يتحول إلى أطروحة حزبية تحمس لها حتى جزء من مثقفي وأطر الحزب.

وبالموازاة مع تسريع وتيرة خطة هيكلة الحقل الديني التي أطلقها جلالة الملك أمير المؤمنين، تم ادماج عدد من أطر الإصلاح والتوحيد في الخطة، واحتضن الإعلام الرسمي والمؤسسات الموازية من جامعات ومراكز فكرية عددا من قيادات العدالة والتنمية الذين انتظموا في خطة متفق عليها لترويج أطروحة التوفيق بين الدين والسياسة، ومقاصد الشريعة على ضوء السياسة، ولعب الرعيل الأول من منظري العدالة والتنمية أمثال الدكتور سعد الدين العثماني، وعزالدين توفيق، والمقرئ ابوزيد، والحمداوي…دورا كبيرا في ترجمة الاتفاقات إلى وقائع.

بعد 4 سنوات من الأحداث ومن المطالبة بحل الحزب، سيحل العدالة والتنمية ثالثا ب46، وسيحل الاتحاد الاشتراكي خامسا ب38 مقعدا.

خرج المغرب بفضل حكمة الملكية منتصرا انتخابيا وسياسيا مع ضمانات للمستقبل بادماج الاسلاميين تدريجيا في السلطة، ولو حدث العكس فمؤكد كانت ستتحول المسؤولية المعنوية إلى إنتاج قصدي للعنف، ولن تستطيع حتى قيادات العدالة والتنمية وقف موجة التأثر بالأطروحات الجهادية المسيطرة في تلك المرحلة برعاية غربية وتمويل خليجي.

ما يهم هو أننا يجب أن نستفيد من تجربة حزب البعث السوري الذي ضيق من حرية التعبير وهامش الاختلاف وقمع المعارضة المسؤولة ليجد نفسه اليوم أمام جحافل من الإرهابيين من جنسيات مختلفة يتم توظيفهم ضمن خطة اخوانية جديدة تقودها تركيا وتمولها قطر خصوصا.

إن المغرب يجب أن يستمر في حفظ وحماية اختياراته السياسية القائمة على التعددية وعلى الوسطية والاعتدال، وأن يستمر في تكييف اختياراته بموازاة مع المتغيرات الدولية.

وهذا هو الدرس الأهم الذي يمكن استخلاصه من سقوط الأسد وصعود الجالسين الجدد على عرش سوريا.

*باحث