سوريا الرهينة .. شتان بين السرادب

2024-12-11T23:55:07+00:00
2024-12-19T13:50:04+00:00
كتاب واراء
11 ديسمبر 2024
سوريا الرهينة .. شتان بين السرادب
رابط مختصر
عبد الهادي مزراري

بقلم عبد الهادي مزراري

“إذا لم تكتشف سوريا من الأعلى فاكتشفها من الأسفل”، ظل هذا البلد العربي مغلقا على شعبه وعلى العالم الخارجي، يسوق فيه النظام صورة مغلوطة عن حقيقة الأوضاع، فلا هو “باب الحارة”، ولا “كسر جدار الصمت”، ولا “اسرار المدينة”، ولا “أشواك ناعمة”، ولا “أعقل المجانين”، ولا “أيام تنسى”.
سوريا منقسمة بين عالمين عالم السيد الرئيس وحاشيته وعالم الشعب المنسي المقموع، الذي لفه النظام في كفن الشعارات البراقة المناهضة للاحتلال والمدافعة عن كرم الأمة.
لم يستفق الشعب السوري من رقدة أهل الكهف هاته منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي حتى مارس 2011 إبان اندلاع ثورات الربيع العربي.
خرجت مجموعات جماهيرية تطالب بالإصلاح فاستقبلها النظام بالدبابات، ولم تتردد قواته في إطلاق النار على صدور المتظاهرين. قتل سياسيون وفنانون وصحافيون ورجال الدين، وفتحت بعدها منابع انهار الدم.
بدت شهية النظام الدموي، الذي ورثه الابن بشار الأسد عن الأب حافظ الأسد، متفتحة لالتهام آلاف المواطنين، قتلا واعتقالا وتشريدا.
لم يكتف النظام الدموي بالاعتماد على قواته واستدعى مقاتلين من حلفاءه في المنطقة، قدموا على عجل من إيران والعراق ولبنان والجزائر وروسيا.
دارت طاحونة الحرب الأهلية وانقسم التراب السوري إلى مناطق قتال بين الاكراد مدعومين من الغرب، والجماعات الإسلامية مدعومة من تركيا وبعض دول الخليج، وتحول المشهد إلى مجزرة كبيرة.
لم تتوفق العملية السياسية المدعومة من الأمم المتحدة في إيجاد حل للازمة السورية، ورغم عشرات الاجتماعات بين أستانا والدوحة وموسكو لم يقبل الطاغية بشار الاسد بأي حل سياسي، ولو أنه فقد السيطرة على أكثر من 70 في المائة من أراضي سوريا، التي استباحها للإيرانيبن وقوات حزب الله والروس والامريكان والأتراك.
قبل المجرم بجزء من التراب يضمن بقاءه في السلطة وباقي البلاد ترزح تحت التقسيم والاحتلال، مستمتعا بالهدنة التي استغلها منذ عام 2017 في البحث عن إعادة التطبيع مع دول الجوار ومحاولة تلميع صورته.
خلال 13 سنة من عمر الاقتتال استعمل كل أسلحة الجيش في إبادة الشعب وتدمير مدن عن بكرة أبيها، ولو بقي في مخزونه البراميل يملؤها بالمتفجرات ويلقي بها من الجو فوق الأحياء المدنية فيقتل مئات الآلاف من السكان.
بسبب استهداف المدن والقرى هاجر ملايين السوريين بلادهم غرق منهم الكثير في البحار، ومات المئات في غابات تركيا واليونان والبلقان، وتسول منهم الآلاف في شوارع وساحات مدن وعواصم دول كثيرة.
لكن حال السوريين القابعين تحت سيطرة حكمه لم يكن أفضل من حال المغتربين، فالمواطن إما معتقلا أو مرشحا للإعتقال.
لم تظهر بشاعة النظام الدموي إلا بعد فرار المجرم بشار عندما اقترب الثوار من الوصول إلى العاصمة دمشق.
في الوقت الذي تنقل كامرات الهواتف عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومحطات القنوات الإخبارية فخامة القصور التي بحوزته وأفراد عائلته، وتظهر مستوى حياة الرفاهية والبذخ، كانت صور أخرى تنقل فظاعة السجون والمعتقلات التي كان يملؤها بآلاف السوريات والسوريين.
مشاهد تشيب لها الولدان وتقشعر منها الجلود في الأبدان، أطفال ولدوا في السجون لنساء معتقلات تعرضن للاغتصاب، شباب منهكون، شيوخ مجانين، مرضى وجثت مكدسة تحكي قصص إعدامات بلا رحمة.
شتان بين حياة الرئيس الجلاد والشعب المجلود، وإن كان من قاسم مشترك بين الحاكم الطاغية والمحكوم المغلوب على أمره، هو تلك السرادب، لقصور بشار سرادب معدة للطوارئ مجهزة بالأضواء، والمكيفات، وسكك حديدية للتنقل، وغرف للمؤمن، وقاعات للترفيه تحت الأرض.
ولسجون الشعب كذلك سرادب، لكنها مظلمة ومخيفة وروائحها نثنة، وجدرانها ملطخة بآثار دماء الضحايا، وامتداداتها لا نهاية لها ولا مخرج منها.
شتان بين السرادب
طابت أوقاتكم لا طابت أوقات الجلادين