مصطفى لغتيري.
إنك لست سوى إنسان بسيط، يسعى نحو تحقيق أهدافه الصغيرة، تلك التي حلم بها صغيرا وعايشها مراهقا وشابا، ورافقته في طريقه وهو يخطو أولى خطواته نحو الكهولة، وحتى وهو يودعها ليستقبل شيخوخة قادمة لا مراء فيها.. وأنت بذلك لا تعتدي على حقوق أحد، ولا تزاحم شخصا في منصب أو جاه أو شهرة، فقط يتملكك توق كبير لتكون سعيدا، تفرحك الأشياء البسيطة، التي لا يكاد أحد يلتفت إليها، فتنبثق الابتسامة من أعماق قلبك، وتغزو تأثيراتها المباشرة كل كيانك، ثم تستلقي في نهاية المطاف على شفتيك لتحتلهما، وتظل هناك فترة من الزمن كافية لتجعل حياتك بسيطة وسهلة وممتعة. حياة تضمن لك الحق في الخطأ دون أن يكون لذلك تأثير على الآخرين، وحتى إن مسهم بعض شظايا بجنونك، سرعان ما تقدم اعتذارك وتلملم الجراح والآهات، وتقلل من حجم الخسائر ما استطعت إلى ذلك سبيلا.
لقد حسمت أمرك باكرا وقطعت مع كل الأحلام الكبيرة، التي غالبا ما تلقي بشباكها الذهبية اللامعة على أفئدة الناس وعقولهم، لذا تأتيك الفرصة تلو الأخرى فتشيح عنها بصرك، وتمضي في طريقك غير متحسر على شيء، وكأن الأمر يتعلق فقط بوجهة نظر لا أقل ولا أكثر.
لقد شيدت حول نفسك سياجا قويا يعصمك من الطمع فيما بين أيدي الناس، أو ما يمكن أن يجعلك تلهث خلفه أو تخضع من أجل امتلاكه أو تشعر بذرة عار وأنت تسعى وراء اكتسابه.
من زمن بعيد حددت هدفك في تحقيق حياة بسيطة، تضمن لك الكثير من الراحة والهدوء والاستقلالية والحرية، رفقة أناس يستهويك حضورهم الجميل في حياتك، يسعدونك باهتمامهم وعطفهم ونبلهم الذي يحيط بك من كل جانب، وتحاول من جانبك إسعادهم بقدر ما تستطيع.
منذ أمد طويل قررت أن لا تحزن على شيء، ولا تلوم نفسك عما ضاع ومضى، وأقنعت نفسك أن ما هو لك فلا أحد يمكنه أن ينزعه منك، وما ليس لك لا تستطيع امتلاكه مهما بذلت في سبيل ذلك من جهد، لذا تواجهه بالتجاهل، حتى وإن تملك عليك فؤادك في فترة من الفترات، وتوهمت أن لا حياة بدونه، فالحياة علمتك درسها الذهبي الذي يتمثل في ” دوام الحال من المحال، فاسعد بما هو متاح، وانتظر القادم حتى يستوي على نار هادئة، ولا تستعجل، فالثمرة لا تقطف إلا في كمال نضجها، وإلا فسد مذاقها”..
دوما ترنو إلى المستقبل بقلب مفتوح، قلب طفل لا يذكر من أمس سوى ما أسعده، ولا يهمه من المستقبل سوى أن يجد مساحة صغيرة تشرق عليه الشمس فيها، وتظللها شجرة وارفة الظلال حين تشتد حرارة المكان، وتسعه برحابتها، ليمارس لعبه الأثيرة بنوع من الاستغراق الصوفي.
تحاول قدر المستطاع إسعاد من ارتبط مصيرهم بمصيرك، ولو من طرف خفي، دون أن تشعرهم صراحة بما تحمله في قلبك لهم من آمال شاسعة، لا تحدها بحار أو جبال أوحواجز، وتتحمل راضيا مرضيا ما يتسببون لك فيه من أضرار، لا يقوى قلبك الطفلي/الطفولي على تحملها، لكن في لحظة ما تشعر أنك استنفدت رصيد الصبر لديك، وتقرر أن توقظهم وتوقظ نفسك معهم من سباتهم الاختياري، ليواجه الجميع مصيره، فلست سوى إنسان عاد وبسيط، ولا يمكنك إلا أن تهفو إلى سعادتك، كباقي الآنام على هذه البسيطة، ولن تتنازل عن ذلك مهما كانت العوائق والمطبات.
وانت ذلك الشخص، الذي لا يشغلك شيء مما يستحوذ على تفكير الناس وقلوبهم، تظن أن أروع ما تحقق لك هو قدرتك على عدم السماح لأحد بأن يتدخل في خصوصياتك ، كما لا تسمح لنفسك بالتدخل في خصوصيات الآخرين. ولعمري فذلك ما يحقق لك أقصى درجات السعادة،فعض عليه بالنواجذ، ولا تفرط فيه ابدا.