وقد تجلى هذا جليا من طريقة التعاطي مع قرار محكمة النقض رقم: 27، الصادر بتاريخ 17 يناير 2023، في الملف الشرعي رقم: 465/2/2/2022.
لا نحتاج بداية إلى تكرار التذكير بأن هناك جهات داخل المجتمع تخدم أجندات معينة، بوعي أو بدونه، بحسن أو سوء نية، لا يهم، بما أن العبرة في كل الأحوال بالغايات والنتائج.
بداية، لابد من التوقف عند الفقرات المهمة التي تضمنها الخطاب الملكي خلال افتتاح الدورة التشريعية الحالية.
يقول جلالة الملك: “… في إطار هذه القيم الوطنية، التي تقدس الأسرة والروابط العائلية، تندرج الرسالة التي وجهناها إلى رئيس الحكومة، بخصوص مراجعة مدونة الأسرة.
إن الأسرة هي الخلية الأساسية للمجتمع، لذا نحرص على توفير أسباب تماسكها. فالمجتمع لن يكون صالحا إلا بصلاحها وتوازنها، وإذا تفككت الأسرة يفقد المجتمع البوصلة”.
فأين هذا من الاختزال الذي تعرض له القرار المشار إليه أعلاه، بعدما وضعت له جمعيات ومنابر صحافية عنوانا مثيرا معاكسا لمضمونه هو: “محكمة النقض تسقط حضانة زوجة خرجت مساء بلباس عصري”، مع إدراجه تحت لافتة: “استمرار العقلية الذكورية المحملة بصور نمطية في الأحكام القضائية”؟.
إن من يقرأ بعض البلاغات والمقالات المنشورة تحت ما يشبه العنوان أعلاه يخيل إليه أن الهيئة القضائية التي أصدرت القرار تشتغل وفق قوانين “داعش” وليس بناء على القانون المغربي.
من الصعب التسليم بأن موقعي هذه البلاغات والمقالات لم يطلعوا على نص القرار الذي لا يتجاوز ثلاث صفحات، والذي صيغ بلسان عربي مبين، لا يحتمل التأويل.
إن التفسير الوحيد لهذا “التضليل” هو ما تمت الإشارة إليه أعلاه حول تجند البعض لخدمة مشاريع تخريبية بشتى الوسائل والأساليب.
لا ندعي الاطلاع على النوايا وما تخفيه الصدور، بل نتعامل فقط مع الواقع، ولنحيل مجددا عن المنطوق الملكي الذي توقف بصراحة ووضوح عند دور “الأسرة” كصمام أمان، وكخلية أساسية يتوقف عليها وجود المجتمع.
إن قرار محكمة النقض المشار إليه يندرج فعلا في إطار الرؤية الملكية المعبر عنها في الفقرات أعلاه، وأيضا ضمن “روح” مدونة الأسرة.
فالحكم بحرمان المعنية بالأمر من حق الحضانة يأتي أساسا لحماية الأسرة، وتحديدا ثمراتها المتمثلة في الأطفال.
كما أن هذا القرار لم يبن فقط على علة “ارتداء ملابس عصرية”، رغم أن هذه العبارة توحي أصلا بنوعية هذه الملابس. وقد كان مفروضا فيمن روج لهذا العنوان أن ينشر صور المعنية بالأمر بهذه “الملابس” حتى يوثق مجانبة القرار المذكور للصواب، ويبرهن على طغيان “العقلية الذكورية”.
إن الأهم هنا ليس فقط هذا العنوان المجتزأ، بل بقية المعطيات الواردة في ثنايا القرار.
فالمعنية بالأمر سبق أن توبعت بتهمة “التحريض على الفساد”، كما أنها عندما غادرت منزل الزوجية بعد الساعة السادسة بـ”ملابس عصرية” لم تكن تمارس حريتها الشخصية، بل كانت على موعد مع شخص أجنبي، تبادلت معه مسبقا رسائل نصية للتأكد من حضوره، وأجرت معه مكالمات هاتفية عبرت فيها عن إعجابها بعطره، إضافة إلى “اتصالات عبر واتساب مع أشخاص آخرين”، وهي “أفعال تقدح في المروءة والعفة الواجب توافرها في الحاضنة” كما جاء في نص القرار، الذي عاب على محكمة الاستئناف أنها “لم تناقش موضوع الطلب على ضوء الوقائع المادية المذكورة، والتي لا تأثير لقرار البراءة -من تهمة التحريض على الفساد- فيها”.
فهل خدمت الضجة المفتعلة حول هذا القرار السيدة المعنية به، أم إنها فقط عمدت إلى التشهير بها؟
وهل يقبل عقل تسليم حضانة أطفال إلى أم تدينها “وقائع مادية” ولا تحوم حولها شبهات فساد فقط؟
وهل يمكن أن يقبل هؤلاء منح الحضانة لأب منحرف سلوكيا أو جنسيا، فقط حتى لا تتهم هيئة قضائية بـ”النسوانية”؟.
إن هذه الضجة قدمت دليلا إضافيا على أن هناك من يسعى فقط إلى تخريب الأسرة التي “لن يكون المجتمع صالحا إلا بصلاحها وتوازنها، وإذا تفككت يفقد المجتمع البوصلة” كما جاء في الخطاب الملكي.