اعلان

ربيع تونس…رحلة الإنسان والأدب

فن وثقافة
28 مايو 2024
ربيع تونس…رحلة الإنسان والأدب
رابط مختصر

فاطمة موسى وجى

ربيع تونس هو كتاب من تأليف الأديب المغربي مصطفى لغتيري، صدرت له الطبعة الثانية سنة 2024 عن منشورات غاليري الأدب. جاء الكتاب في حوالي 93 صفحة، قسمت مضامينها في 7 فصول.

laghtiri  - Tawasol24news

عنوان الكتاب يجعلني في حيرة من أمري…هل يقصد الكاتب بالربيع ذلك الفصل الذي يلي الشتاء فيكسو الأرض خضرة وبهجة؟ أم يقصد به الربيع العربي الذي شهدت ثوراته عدة دول عربية بين سنتي 2010 و 2011 ؟؟ من يدري؟ قد يصح الاحتمالان معا..
الكتاب يحمل في طياته تفاصيل حكاية، كان بطلها الكاتب نفسه، في رحلة له إلى تونس الشقيقة.
يحكي لنا الأديب مصطفى عن رحلته بأسلوب شائق أخاذ، وهو بذلك يوجه لنا دعوة لمرافقته في رحلته، لا حاجة لنا بجواز السفر ولا التأشيرة، كل مانحتاجه معه هو ذاتنا وروحنا التي ستسافر معه أينما حل وارتحل.
بدأ الحكاية باستعداد الكاتب للرحلة إلى تونس، بل بتوقه وشوقه الكبير لها، ذكرني شغفه ذلك بفرحتنا صغارا ليلة العيد.
شوق الكاتب لتونس لم يكن وليد الصدفة بل جاء عبون محبة وعلاقات نبيلة جمعته والكثير من الأدباء الذين لن يغفل عن ذكرهم بين سطور الرواية. إضافة إلى رابطة أدبية فنية قوية لم تقتصر فقط على المغرب وتونس، بل تعدتهما إلى باقي بلدان المغرب العربي، فتعددت أساليب هذا الارتباط وتنوعت بين كتب ومقالات وصالونات للأدب.
يبدأ الكاتب روايته بوصف علاقته الوطيدة بالناقد والشاعر التونسي عبد الدائم السلامي، ليتضح أن الاثنان، كل من جانبه، يحتفي بهذه العلاقة ويقدسها أيما تقديس.
ينتقل الكاتب إلى وصف سعادته بزيارة صديقه له وللمغرب، وهنا يأتينا الجواب عن السؤال “أي ربيع يقصد الكاتب؟؟” ليتضح أنه كان قلقا حول ما آلت إليه أوضاع جيرانه بعد الثورة، التي انتشرت كالهشيم في ربوع البلدان العربية كافة. الكاتب هنا كان ينظر إلى نصف الكأس الممتلئة، حيث ثمن نهضة شباب مابعد الثورة وجهوده للمضي قدما.
جاءت فكرة الرحلة بعد أن طبخت على نار هادئة جدا، لكنها جاءت هذه المرة بطعم آخر مختلف، هو ما اسماه الأديب بأدب الرحلة، حيث عزم على شد الرحال وتخليد الرحلة لتبقى رواية خالدة في سجل الأدب ، وعلى إثرها جاءت دعوة للمشاركة في المهرجان الوطني للأدب والفنون ب “توزر”. كانت الدعوة رسمية من الشاعرين شكري ميعادي ومحمد بحوش، مع بعض الدعم من العراقية رحاب حسين الضائع والفلسطينية سمر حجازي، والمغربيتان السعدية باحدا وسلمى براهمة وغيرهما…..
استعد الكاتب للرحلة بما هو رسمي من أوراق وتذاكر وجواز سفر ثم بتحضير الحقائب كعادتنا جميعا في السفر. لكنها لم تكن ككل الحقائب، لأنها حملت العشرات من الكتب والقصص، عبارة عن هدايا وعربون محبة وكرم طبعا!
حطت الطائرة في تونس وانتقل الكاتب إلى ضيافة صديقه عبد الدائم، هذا الأخير الذي لم يقصر ولم يتوانى في إكرام ضيفه وضيف الأدب.
انتقل الكاتب إلى تونس ليعانق فيها المغرب، فإضافة إلى حفاوة الاستقبال وألق اللقاء، الذي يذكرانه بالمغاربة والعرب ككل، وجد كل تفاصيل الجيران تذكره ببلده، لعلها أحاسيسه لم تبرح قلبه، أو هي أحاسيس زائرة عابرة لكنها غطت على القديمة ومسحتها.
توقيت المهرجان المقرر ترك للكاتب متسعا من الزمن ليظفر بجولات استكشافية لتونس العاصمة، ليتأكد من جديد أنه لم يغادر المغرب، بل وجد مغربا آخر،حتى أنه وجد في تونس الدار البيضاء والرباط والصويرة وأكادير وطنجة بكل تفاصيلها. فرنسا كانت وراء كل هذا طبعا.
تعدت الجولات المدينة إلى الضواحي، وإلى ميناء بوسعيد مرورا بالكثير من الآثار القديمة التي تشهد على تاريخ حافل.
الاختلاف الذي اختطف الأديب مصطفى بداية كان اللهجة أو اللكنة التونسية، بغناها الكبير، والتي سرعان ما ألفها كاتبنا وصار يفهمها بسلاسة كبيرة.
لم يكن المغرب الأقصى وحده حاضرا في مخيلة المكان، بل الإسكندرية المصرية ايضا، ومارسيليا الاسبانية، التي تعيد إلى الذهن طابعا اتسم به شمال وجنوب المغرب، إضافة إلى قطعة من تونس. اختلفت الأماكن لكن جمالها واحد آسر.
أحاديث الصديقين والمقاهي تنوعت وتدرجت، من الأحداث التاريخية التي طبعت آثارها على العمران، والأحداث السياسية، ثم مواضيع شتى أخرى.
انتهى لقاء الصديقين ربيعا، ليتوجه الكاتب مصطفى إلى توزر حيث سيقام المهرجان، وقد كان في انتظاره الأستاذ صالح غزي المتفقد، الذي آلت إليه وصاية الضيف بعد الأستاذ عبد الدائم، وحين يلتقي زميلان في التربية والتعليم فمامن حديث غير ذلك سيثار، هذه هي القاعدة. لكن الأدب فرض نفسه أخيرا في الحوار، كيف لا وهو كان الدافع الأساسي لهذه الرحلة؟
الطريق إلى توزر كان لوحة تشكيلية تزخر بالألوان والتضاريس التي تشبه كثيرا التضاريس المغربية.

في توزر، حظي الكاتب باستقبال حفي من صاحبي الدعوة، لتكون الوجهة دار الثقافة، ثم زيارة لضريح الشاعر الكبير ابي القاسم الشابي. كان الضريح تحفة فنية تملؤها الزخارف والأشعار. كيف لا وهو ضريح شاعر الحرية العظيم. وقد استحسن الكاتب كثيرا هذا الاهتمام الكبير بضريح الشاعر، متأسفا مع ذلك على النسيان الذي يطال الشعراء والأدباء المغاربة بعد مغادرتهم لنا. وتأسف أكثر لندرة التواصل بين الأدباء المغاربة والتونسيين وقد حثهم هذا على التفكير في أساليب لتوطيد الصلة ومد الجسور بين الاثنين.
خلال تجواله في توزر، تذكر الكاتب مدن المغرب الجنوبي، ومدينة البصرة، والكوفة. نعم بعد ذلك الكاتب بجولة صباحية في جنات النخيل، وقد وجد المدينة مدينة شعر بامتياز، حيث تنقش ابيات الشعر في كل مكان.
في رحاب دار الثقافة، أقيمت طقوس مهرجان الأدب، فتناوب المتخلون على إبراز عضلاتهم الأدبية المفتولة في الشعر والقصة، وقد أدلى الكاتب بدلوه وقرأ اشعاره أيضا في هذا المحفل.
تجدد لقاء الكاتب بأصدقاء قدامى والتقى بأصدقاء وأدباء جدد فانقلب الجو سماء أدبية تعبق بالشعر.
اختتم المهرجان بعد أن كان فرصة لتبادل الطرائف والقصائد والورود والهدايا، بين الكاتب ومختلف الأدباء الذين قابلهم، ومنهم الشاعر محمد البدوي والشاعر نجاة المازني والصديق محمد الغزالي. وكما جرت العادة، أقيم ليلة الاختتام حفل ساهر، اجتمع فيه الرقص والغناء والحكي، ليكون الختام مسكا.
دقت طبول العودة، فبدأ الكاتب لملمة أحاسيسه وذكرياته التي بدأ في خطها منذ لحظة وصوله إلى تونس. أنهى الأستاذ مصطفى الرحلة آملا أن لا تكون نهاية بل بداية لغد أدبي أفضل.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.