هل يمكن أن يخرج العالم بخير من هذه الفوضى؟

فن وثقافة
6 أبريل 2024
هل يمكن أن يخرج العالم بخير من هذه الفوضى؟
رابط مختصر

ميتشيكو كاكوتاني إلى جانب رئيس تحرير “هارفارد بيزنس ريفيز” أدي إغناطيوس خلال حفل لتوزيع جوائز للمبدعين في نيويورك في 24 أبريل 2018 (أ ف ب)

تعتبر ميتشيكو كاكوتاني في كتابها الجديد أن “عالمنا يبدو أحياناً معرضاً لطوفان أزمات متتالية”

تكتب كاكوتاني أن “القضايا العالمية الملحة تستوجب تعاوناً عابراً للحدود، يعين العلماء على الاشتراك في البحوث، والأمم على الاتفاق على الأهداف والقواعد، وييسر اقتسام التكنولوجيا والتكاليف”. وتضيف “في حالة وباء كوفيد، كان باحثون صينيون هم أول من رسم الخريطة الجينية للفيروس، وقرروا نشرها على موقع مفتوح، ونتيجة لذلك تمكن الباحثون في كل مكان من البدء فوراً في العمل على اللقاحات… ويرجو كثير من الباحثين أن تبقى هذه السياسة المنفتحة قائمة في غير حالة كوفيد لأن السرعة والتعاون عاملان أساسيان في محاربة أوبئة المستقبل”.ظلت الكاتبة والناقدة ميتشيكو كاكوتاني تكتب عروض الكتب لـ”نيويورك تايمز” منذ 1983 وحتى تقاعدها في 2017، وأعترف بشكل شخصي أنني مدين لها بفضل عظيم طوال السنوات الـ20 الأخيرة من مسيرتها المسيرة المهنية الطويلة إذ عرَّفتني عشرات المرات بكتب ومؤلفين ووجَّهت قراءاتي وجهات ما كانت لتسلكها، إلا متأخراً، وذلك إن حالفني الحظ. وأعترف أيضاً أن هذا الإحساس بالفضل، بل بما يشبه صلة المعرفة القديمة، هو الذي نبهني لاسمها حين ظهر في قسم عروض الكتب، لكن في غير موقعه المعتاد، فهو في متون المقالات الآن إذ تستعرض كتابها الصادر حديثاً بعنوان “الموجة الهائلة: عصر التشوش الراديكالي وصعود الغرباء”.

 - Tawasol24news

تقدم ميتشيكو كاكوتاني بعض أفكار كتابها الأساسية عبر موقع “nextbigideaclub”، فتقول إن “عالمنا يبدو أحياناً معرضاً لطوفان أزمات متتالية، فالديمقراطية مهددة في الداخل [أي في الولايات المتحدة] والخارج. وكوفيد يفضح ضعف ترابط العالم. والناس يفقدون الثقة في المؤسسات الراسخة. والذكاء الاصطناعي يهدد بإغراق عالمنا الذي باتت الحقيقة فيه مهددة بمدد دائم من الزيف. لكننا مررنا بهذا أو بما يقاربه في الماضي. فلعل العالم لم يواجه خطراً كوكبياً من قبيل تغير المناخ من قبل، لكنه مر بكثير من العصور التاريخية الحافلة بالخطر والاضطراب. وثمة بلاد كثيرة نجت من حروب أو كوارث أخرى، وتمكنت أن تقوم بمرونة لافتة”. وتضرب مثلاً لذلك بحقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية مشيرة إلى تسمية عام 1945 باسم جدير بأن يبعث القشعريرة في الأجسام، وهو “العام صفر”، إذ خرجت أغلب أجزاء أوروبا وآسيا من تلك الحرب وقد خربت تماماً وبدت مستعصية على أي إصلاح. ولكن العالم تجاوز كل ذلك الخراب.
من السهل كما تكتب ميتشيكو كاكوتاني أن نقف حيال مشكلات من قبيل التغير المناخي أو سيطرة الكراهية على الخطاب العام، شاعرين أنها “أضخم من أن تُحَل بحلول عملية. أو أن يعترينا الاكتئاب أمام الفساد السياسي والصفاقة فنتصور أن أصواتنا الانتخابية عديمة التأثير. ولكن إحساس الشعوب بمثل هذا العجز هو الذي يجعل طغاة من أمثال فلاديمير بوتين يبقون في السلطة معتمدين على الرهان العدمي بأن قدراً كافياً من البروباغندا والتضليل سيجعل الشعب المحبط يستسلم لمصيره فيركز أفراده على حياتهم الشخصية بدل الشؤون العامة”.
وتطعن ميتشيكو كاكوتاني في هذا الموقف ضاربة المثل بحركة الحقوق المدنية في أميركا الستينيات، إذ أفرزت قانون الحقوق الأساسية (1964) وقانون حق الاقتراع (1965) وكان هذان القانونان هما الأساس لانتخاب باراك أوباما، أول رئيس للولايات المتحدة من أصول أفريقية في عام 2008.
تكتب كاكوتاني أن “القضايا العالمية الملحة تستوجب تعاوناً عابراً للحدود، يعين العلماء على الاشتراك في البحوث، والأمم على الاتفاق على الأهداف والقواعد، وييسر اقتسام التكنولوجيا والتكاليف”. وتضيف “في حالة وباء كوفيد، كان باحثون صينيون هم أول من رسم الخريطة الجينية للفيروس، وقرروا نشرها على موقع مفتوح، ونتيجة لذلك تمكن الباحثون في كل مكان من البدء فوراً في العمل على اللقاحات… ويرجو كثير من الباحثين أن تبقى هذه السياسة المنفتحة قائمة في غير حالة كوفيد لأن السرعة والتعاون عاملان أساسيان في محاربة أوبئة المستقبل”.
وأعترف لكم أنني للمرة الأولى على الإطلاق أقرأ عن عمل إيجابي للصينيين في ما يتعلق بمحاربة “كوفيد”، فلم يصلني، وأحسب أنني لست بالمتابع الكسول، إلا سلبيات الإدارة الصينية للأزمة، ولوم بلاد العالم لها في انتشار الفيروس والتأخر في الإعلان عنه، وانتقاد حلولها العقيمة التي أدت إلى تفاقم المشكلة. غير أن كاكوتاني تبرز للصينيين هذه المأثرة، بل تدعو للاقتداء بهم فتطالب بتعاون مماثل بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي من شأنه أن يقلل الشلل الذي كثيراً ما يعتري الكونغرس الأميركي.
أما الفكرة التي تتصدر غلاف الكتاب وعنوانه، وهي صعود الدخلاء أو الغرباء، فتقول في شأنها كاكوتاني إن “دراسات تشير إلى أن احتمالات تأسيس المهاجرين لشركات جديدة تبلغ مثلَي احتمالات قيام أبناء البلد بذلك، وإلى أن أكثر من نصف شركات التكنولوجيا الكبرى في أميركا أسسها مهاجرون أو أبناء مهاجرين”. وتضرب أمثلة بـ”غوغل”، و”أبل”، و”إيباي”، و”ياهو”، و”باي بال”، و”تيسلا”، و”سبيس إكس”، التي أسسها أو شارك في تأسيسها على الترتيب وافدون أو أبناء وافدين من روسيا وسوريا وفرنسا وإيران وتايوان وألمانيا وجنوب أفريقيا، “ويمثل المهاجرون أو أبناؤهم نسبة كبيرة من الفائزين الأميركيين بجوائز نوبل ومن أيقونات الفن في القرن العشرين”. وتتساءل كاكوتاني عن سبب براعة الغرباء في العلوم والفنون والتجارة وتجيب بأن “الأسباب كثيرة، منها أن وراءهم تراثات ثقافية متعددة، ولديهم قدرة رهيفة على الملاحظة والتفكير المغاير للسائد، وأنهم يحظون بضرب من الحرية الفكرية يفضي إلى الابتكار”.

وتشير كاكوتاني إلى فكرة أخرى أساسية في كتابها وهي أن اللحظات المفصلية في التاريخ تكون أيضاً مستهلاً لبدايات جديدة. فالأزمات، كما ظهر في فترة “كوفيد”، تنزع إلى تحفيز الناس على العمل. وفي حين أن انبعاثات الكربون لم تُخفَّض بالسرعة الكافية فإن بلاداً وشركات كثيرة أحرزت تقدماً كبيراً في تبني الطاقة الخضراء، “والواقع أن أوقات الاضطرابات قد ترغم بلاداً وشركات على إعادة تقييم أولوياتها وتفعيل مبادئها، وأن الأفكار الجديدة أرجح لفتاً للاهتمام في مثل هذه الفترات، وأن الوافدين الجدد يلقون ترحيباً أكبر في المجالات التي تصدهم في غير تلك الأوقات”.

المشكلة ليست في الرسالة

ولو أن هذه هي أفكار كتاب كاكوتاني الأساسية، فهو في ما يبدو كتاب ودود، يشخّص بعض أمراض العصر الذي نعيشه، ويبحث سبلاً للخروج منها بخير. وهو كتاب يبعث على التفاؤل، ولعلنا بحاجة إلى ذلك، وسط سيل جارف مما يدعونا، بحق، إلى التشاؤم. ولا أحسب أن التفاؤل رسالة كريهة في ذاتها، لكن المشكلة في الرسول.

يكتب دان كُويْس في مجلة “سليت” 20 فبراير (شباط) 2024 أن كاكوتاني كانت تحظى ذات يوم بسلطة في عالم النشر يصعب تصويرها، “فعلى مدار أغلب مسيرتها المهنية لم يكن هناك من غودريدز أو بوكتوك أو أمازون، وبالنسبة إلى صناعة النشر المتمركزة في مانهاتن لم يكن من صوت يعلو على صوت كاكوتاني”، إذ تتكلم “بسلطة مؤسسية مستمدة من أهم صحيفة في العالم”، لـ”تبدي رأياً في كل كتاب مهم سواء كان رواية أم سيرة أم عملاً غير خيالي”. وكانت كاكوتاني صحافية أكثر مما كانت ناقدة في تقييمها للكتب كما يقول كويس، مضيفاً أنها “كانت جادة في ممارستها دور عارض الكتب بوصفه مرشداً للمستهلك فقد قالت بعد أن تركت الصحيفة: ’إن وظيفتي كناقدة كانت أن أعطي تقييمات أمينة لأقصى درجة ممكنة للكتب الجديدة محاولة أن أبيِّن السبب في جدارتها بالقراءة’. فلم تكن تتحرج من إجابة السؤال الذي يجده بعض النقاد مغالياً في الاختزال وهو ’هل الكتاب جيد؟’”.

“في بعض الأحيان كان لغو كاكوتاني” بحسب دان كُويْس “يبدو كفيلاً بتحقيق مسيرة كاتب، فماري كار على سبيل المثال [وهي من الطبقة الأولى من الشعراء الأميركيين] قالت إن مقال كاكوتاني الذي امتدح سيرتها ’نادي الكذابين’ بدا ’أشبه بلمسة على الكتف من عصا جنية سحرية’ ولكن آخرين لا يتذكرون كاكوتاني إلا بانتقاداتها اللاذعة، ويُحسب لها أنها لم تكن تهاب شيئاً، بل بدا أنها كانت تجد متعة خاصة في تمزيق سباع الأدب إرباً… حتى إن الكاتب نيكولاس بيكر قال إن قراءته مقالتها عن كتابه ’علبة الثقاب’ كانت أشبه ’باستئصال كبدي بلا تخدير’، وقالت الكاتبة الروائية لوري مور إن كاتبة وصديقة تحب أن تنحني على الصغار في أسرَّتهم داعية لأحدهم ’عسى ألا تكتب عنك أبداً ميتشيكو كاكوتاني’”.

أحمد شافعي كاتب ومترجم

المصدر: اندبندنت عربية