مصطفى لغتيري
يكتسي ادب الطفل اهمية قصوى لدى شعوب العالم وخاصة لدى الفئة المثقفة او تلك المسؤولة على قطاع الثقافة عموما، كما أنه يشكل أداة ناجعا في التنشئة الاجتماعية ولدى المتدخلين في مجال التربية، وذلك نظرا للأهمية الكبيرة، التي يحظى بها الطفل في شتى المجتمعات باعتباره المشتل الحقيقي لنساء ورجال الغد، خاصة إذا علمنا ان مرحلته العمرية أساسية في بناء شخصية الإنسان. فإذا أردنا إنسانا سويا وناجعا ومشبعا بالقيم النبيلة فمن الضروري الاشتغال عليه منذ وقت مبكر، أي من مرحلة الطفولة، وقد صدق فرويد حين قال ما معناه “إن الرجل الكبير ابن الطفل الصغير” مما يعني ان الملامح النفسية الرئيسية لشخصية الراشد تتحدد خلال الطفولة، فتلك الفترة المهمة قادرة على أن تنتج لنا إنسانا سويا، يساهم إيجابيا في بناء المجتمع، او بالعكس تعطينا إنسانا فاشلا، لا يمتلك القدرات الذهنية والنفسية والمهارية لمواجهة مشاكل الواقع وحلها، بل قد يصبح هو نفسه معضلة عويصة تحتاج إلى من يهتم بها ليحل مشاكلها.
ولا يخفى على أحد أن أدب الطفل من الوسائل الأساسية المستعملة في التنشئة المتكاملة للطفل، فعبره يكتسب الطفل عددا من الكفايات المعرفية واللغوية والتواصلية والوجدانية، إذ أنه عبر القصص والأشعار والحكايات، يكتسب الطفل رصيدا لغويا مهما، يسهل له التواصل بشتى اللغات، ويؤهله ليمتلك كما من المعلومات، تتيح له فهم ذاته وفهم العالم المحيط به على شتى الصعد البيولوجية والجيولوجيا والجغرافية والثقافية.. كما أن القيم التي يتم تمريرها للطفل عبر الأدب تبقى راسخة في عقله ووجدانه أكثر مما لو مررت له بشكل مباشر. ومما هو معروف، وارتباطا بما سبق، أن المغزى الأخلاقي حاضر بقوة في الكتابة للطفل، حتى انه يكاد يكون أحد مقوماته، لذا لا تكاد تخلو قصة للأطفال او شعر او نشيد او حكاية مصورة من قيمة أخلاقية ينتهي بها النص، حتى انها قد تكون مباشرة في كثير من الأحيان وحسب الطبيعة العمرية الموجه إليها.
وفي المغرب عدد من الكتاب الذين اهتموا بهذا المجال، ورسخوا أسماءهم كمبدعين للطفولة، حتى وأن زاوجوا ذلك بمجالات أدبية اخرى، ومن هؤلاء الكاتب العربي بنجلون، الذي انتج عددا مهما وكبيرا من القصص، التي تنهل مواضيعها من الواقع المغربي ومن التاريخ المغربي، كما ان ممارسته للتدريس لمدة طويلة ساعدته في الاقتراب من شخصية الطفل واستيعابها بشكل جيد، ومن قمة إبداع نصوص أدبية تهتم بهذه الفئة. وقد أنتج العربي بنجلون فب هذا الصدد عددا كبيرا من السلاسل المتنوعة في مضامينها، وما يزال إلى يومنا هذا يرفد المكتبة “الصغيرة” بإبداعات تعز على الحصر.
كما بزغ في هذا الأدب كتاب آخرون قصة وشعرا، ومنهم سعيد سوسان وعبد السلام البقالي والمصطفى ملح والطاهر لكنيزي وغيرهم.
لكن رغم المجهودات التي يبذلها الأدباء يبقى للأسف أدب الطفل مهمشا وهامشيا، ولا يحظى بالاهتمام المطلوب من الجهة الوصية على الثقافة، مما يجعل القلة القليلة من المبدعين تلتفت إليه وتساهم بنصوصها فيه، ولا يخفى أن هذا النوع من الكتابة يحتاج إلى كثير من التشجيع، حتى يولي باقي الادباء وجههم قبل الكتابة للطفل، ويهتمون بها اهتماما يجعل منها فرعا قائم الذات من فروع الكتابة للأدبية، لكل ذلك يتوجب تنظيم مسابقات في ادب الطفل تتوج بجوائز مهمة، ومن الضروري ان تشمل جميع الأجناس الادبية شعرا وقصة ونقدا. كما أنه يجب الانفتاح على المؤسسات التعليمية من خلال تشجيع التلاميذ على قراءة هذا النوع من القصص قراءة نقدية موجهة من قبل متخصصين فبها كما يتعين تحفيزهم على الكتابة ضمن ورشات تعرفهم بخصائص الكتابة للصغار التي هي بالتأكيد تختلف نوعيا عن الكتابة للكبار. دون أن ننسى دور الترجمة المهم في هذا المجال، فتكوين لجان خاصة بترجمة ما ينتج عالميا في ادب الطفل يفتح أعين وعقول ابنائنا على ما يجري حولنا في العالم من تطورات، حتى يواكبوا مستجدات العلوم والتكنولوجيا والفنون، كما يقوي لدبهم الشعور بالانتماء الإنساني لهذا العالم، بعيدا عن التقوقع على الذات، الذي يمكن إستثماره من قبل بعض الفئات الضالة لغرس بذور التعصب والحقد والشوفينية..