المستقبل في البيض….

2023-04-16T01:17:42+00:00
2023-04-16T01:20:22+00:00
فن وثقافة
16 أبريل 2023
المستقبل في البيض….
رابط مختصر

حسن مجتهد

مستهل الألفية الثالثة كان لي شرف حضور الدورة الثامنة عشر للمهرجان الدولي للمسرح الجامعي الذي تعقده كلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن امسيك كل سنة، حينها كنت قد ودّعت هاته الكلية قرابة ثلاثة عشر سنة حاملاً معي إجازتي البئيسة، ولأنه كان يشدني الحنين بحكم العلاقات الإنسانية التي كنت قد نسجتها مع أغلب المتدخلين في تدبير هذا المرفق الجامعي…. وبحكم أنني مررت طالباً هنالك؛ فقد كانت علاقتي ترتكز على الحلقة الأضعف في رحاب الكلية؛ وأقصد هنا حارس الدراجات والسيارات والأعوان المساعدون وناسخوا البحوث؛ والحق أقول أن هاته الشريحة من العاملين كانت بالنسبة لي المتنفس الوحيد لقضاء كل مآربي حتى الصعبة منها؛ كانت تحل بواسطتهم لأن أغلبهم انخرط كفاعل وكمدبر للشأن الثقافي والتنشيطي والترفيهي بالكلية؛ وبالتالي فقد كنت مستشارهم ورفيقهم وإلى حدود الآن.
ضمن هذا السياق وسياقات أخرى ليس هاهنا مقامها وخلال الدورة الثامنة عشر للمهرجان الدولي للمسرح الجامعي تيسر لي كضيف وكأحد عشاق أبو الفنون أن أحضر عرض مسرحية عالمية لكن ببصمة مغربية وهي مسرحية تنتمي لما أصبح يسمى فيما بعد ب “مسرح العبث” أو “مسرح الفوضى” أو “مسرح اللامعقول” مسرحية دأب كل عشاق المسرح بالعالم تشخيصها بالطريقة التي تتماشى مع هويتهم/كينونتهم، مثل ما حدث مع مسرحيات شكسبير …. مسرحية “المستقبل في البيض” هي في الأصل مأخوذة عن نص للكاتب الفرنسي الروماني يوجين يونسكو، وتدور حول زوجين حديثي الزواج قررا تأجيل الإنجاب لفترة، ولكنهما تعرضهما لضغط الأهل من أجل الإنجاب خاصة بعد وفاة الجد، وبالفعل بعد تلك الضغوط يقرر الزوجان الإنجاب ولكنهما ينجبان في النهاية بيضة! وعلى الرغم من ذلك فرحا بها الأهل كثيراً واحتضنها بالرغم من غرابة الواقعة!.
والقصة في انزياحات أدبية أخرى تؤكد على ضرورة تحلي الإنسان بالصبر والتأني قبل اتخاذ القرار، وعدم الانسياق وراء أفكار الآخرين، وأنه لابد من التأكد من تواجد معرفة ومخزون ثقافي كاف للحصول على منتج جيد (أياً كان نوعه) أو فكرة جيدة، فالفكرة قد تكون موجودة ولكنها تظل حبيسة لا يمكنها الخروج بها للنور مثلما حال الروح داخل البيضة.
شخصياً استحضرت المسرحية التي نالت إعجابي وكانت من إخراج السيناريست والممثل مسعود بوحسين وشخصها آنذاك ثلة من الشباب الذي أظهروا فيما بعد عن علو كعبهم في المجال المسرحي والسينمائي والفني إلى حد الآن؛ استحضرتها لقوة مضامينها ومشاهدها ومعانيها.. ومن يومها وأنا أردد حينما أكون في سمر مثلاً مع أصدقائي أن “المستقبل يوجد في البيض”؛ كنت أستحضر ذلك من باب الدُّعابة والترفيه لا غير…. لكن مع توالي الأيام شعرت أن الأمر بدأ ينحو منحى آخر؛ وأنني فعلا بدأت أفكر وأومن بأن المستقبل يوجد حقيقة في خلق تجارة للبيض.
وبالفعل فمع وجود المؤهلات اللوجيستيكية – سيارة ودكان – وبعدما درست المشروع من كل جوانبه خصوصاً وأننا نتواجد في مدينة عملاقة مثل الدارالبيضاء؛ إذ أن بيع وتوزيع عشرين ألف بيضة مثلاً في اليوم؛ وبهامش ربح خمس سنتيمات سيدر علي ألف درهم يومياً . … لكن ما من استحسن من منطلقه البرغماتي/النفعي وهناك من أدان هذا المشروع من منطلقه الاعتباري لا غير..
ومن بين الأحباء الذين كنت أناقشهم الموضوع أحد الأساتذة الجامعيين الباحثين – وهو صديق حميم لي- وجدته هو الآخر مهووس إلى حد كبير بالتجارة؛ لكن من منطلق نفعي/نفسي فهو يتمنى أن يمارس مهنة قبل موته بعيدة كل البعد عن مهنة التدريس التي أخذت من عمره ما أخذت، ويريد ان ينتقم لنفسه ولمحيطه مما راكمه من ويلات جراء الوظيفة؛ ولأنه في كثير من الأحيان يردد قوله بأن شريحة رجال التعليم هي الشريحة الوحيدة التي صاحبت السبورة والطاولة منذ وطأت رجلها المؤسسة التعليمية أي منذ نعومة أظافرها إلى حد التقاعد؛ فهو يريد أن يستمتع ولو بيوم خارج انتماءه المهني؛ وينسى ولو قليلاً شيئا اسمه المنظومة التربوية والعملية التعليمية التعلمية كما يرددها الجميع؛ الفرق بيني وبينه هو أنه يرجو أن يختم حياته بفتح دكان لبيع الأحذية الرياضية(السبرديلات)؛ وأنا أتمنى أن أختمه ببيع البيض.
ولأهمية الموضوع ووحدة الاهتمامات والمصير المشترك الذي كان يجمعنا كنت أنصحه بأن مستقبل البلاد والعباد في البيض؛ وكنت أشير عليه بأن مشروعه مكلِّف وقد يخلق له ركوداً تجارياً وغير ذي مردودية، بينما في البيض كل الخير فهو – حلوة ودوا- تبيعه وتتنفع به صحياً، بل قد تخلق به صحوناً تلو الصحون من الأكلات الخفيفة؛ إذا ما مزج مع الطماطم(بيض ومطيشة)؛ فتكون أمام أكثر الوجبات الغذائية شعبيىة في هذا الوطن، أضف إلى ذلك فإن هامش الربح في البيض مضمون بالمقارنة مع ما قد تطرحه هاته التجارة من بيض مكسر(مهرس) والذي لا يختاره الزبناء، فعلى الأقل تضمن معيشك من هاته الشائطات؛ وقد تصنع منه صابوناً لشعرك كما كانت تتداوله بعض الإشهارات القديمة ( FLIFAP).
ولحد كتابة هاته الخاطرة، فمازالت خواطرنا تترنح بين أجنحة هاته التجارة أو الركون إلى زوايا حدائق الأحياء للعب الكارطة أو الضامة أو النميمة في أعراض الناس…. وللحديث بقية بعد التقاعد إن كان في العمر بقية.
والسلام خير ختام
طاب نهاركم
وتقبل الله صيامكم