كان لا بد من الاستعانة بالخبرة الأمنية المغربية في مونديال قطر 2022 ، وتأمين تنقلات الجماهير ومراقبة الملاعب وتفتيش أبوابها ، بناء على اتفاق مشترك جرى توقيعه في أكتوبر الماضي ، بغرض تعزيز التعاون الأمني بين المغرب وقطر ، وتنفيذ كافة الخطط الرامية إلى حماية زائري المونديال طيلة 28 يوما ، فضلا عن الرفع مـن مستويات الأجهزة الأمنية.
هكذا بدا رجـال عبد اللطيف حموشي، المدير العام للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، مستعدين ويقظين ومدعاة فخر واعتزاز، لما أبانوه من حنكة وقدرة على تدبير الطوارئ ولأن قطر رفعت سقف طموحاتها، ووفائها بتنظيم مونديال ناجح دون أحداث شغب وفوضى وتجاوزات، كان ضروريا أن تتبنى إستراتيجية أمنية، بالاعتماد على عيون مغربية، لكسب معركة مونديال آمن ومطمئن.
لماذا رجال حموشي ؟
كانت قطر سباقة إلى توقيع اتفاقية تعاون أمني مع المغرب، بغرض توفير الحماية الأمنية، لأزيد من مليون نصف زائر الـذين حلوا بقطر مند انطلاق فعاليات المونديال في 20 نونبر الماضي .
ولم يتردد المغرب في إرسال قواته، حتى تساهم في التغطية الأمنية، لما يتوفر عليه من كفاءة في تدبير الطوارئ واحتوائها. رغم استعانة قطر بخبرات أخرى أجنبية من تركيا وفرنسا وأمريكا وإنجلترا في مجالات مكافحة الشغب والكشف عن القنابل وعناصر أخرى من القوات الجوية والبحرية الملكية البريطانية، فإن المغرب وضع ستة آلاف عنصر مكلفين بدعم الاستخبارات وتأمين المباريات ومراقبة الممتلكات العمومية، فضلا عن وجود متطوعين مغاربة يساهمون في التنظيم واستقبال المشجعين.
أظهر رجال حموشي طيلة أيام المونديال انخراطهم في كسب التحدي، وأثبتوا بما لا يدع مجالا للشك أنهم قوة ناعمة ضاربة ولهم قدرة أكبر في تنظيم المباريات، من خـلال تبني بروتوكول أمني يرتكز على اليقظة والاستباقية في تدبير الطوارئ ، وحفظ النظام العام .
مسؤول أمني بارز تحدث إلى جريدة الصباح المغربية بخصوص الحضـور الـوازن لرجال حموشـي بمختلف درجاتهم ورتبهم، لأن الهاجس الأمني أولى الأولويات في قطر، ومن حقها أن تستنجد بكفاءات أجنبية، لضبط كل كبيرة وصغيرة بالمونديال تجند رجال حموشی مبكرا لهذه التظاهرة الكبرى المقامة لأول مرة في بلد عربي بعد مشاركتهم في الاجتماعات التحضيرية قبل انطلاق المونديال، لعرض تجربتهم الميدانية، خصوصا أن المغرب له السبق في احتضان ملتقيات وأحداث كبرى، وكيفية تدبيرها وفق منظومة أمنية محكمة، كما يشارك ضمن مركز القيادة الأمني الخاص بتدبير هذه البطولة بعناصر أمنية مخصصة في الأمن الرياضي والتعاون الأمني وجمع المعطيات واستغلالها في تأمين الـتـظـاهـرات الرياضية الكبرى.
عيون لا تنام
يحظى الأمنيون المغاربة بسمعة طيبة ، ومكانة خاصة لدى القطريين ، تراهم بقظين ومستعدين للطوارئ وعيونهم تراقب كل الاتجاهات، دون أن يتسرب إليهم العياء والتعب، إذ يبدون أكثر حيوية ونشاطا، لا يمكن ولوج فضاء معين أو ملعب أو مركز إعلامي ، دون أن تصادف عناصر الشرطة وقوات أمن البطولة تراهـم حذرين لا يتساهلون أثناء القيام بعمليات تفتيش دقيقة، حتى ولو تعلق الأمر بكبار الشخصيات ، إنهم رجـال حموشي ، الذين يرصدون كل التفاصيل ، فهم منتشرون في المنشات الرياضية والفنادق والأبراج ومراكز إيواء المشجعين وإقـامـات الـوفـود المشاركة في المونديال ، لا يترددون في توجيه الإرشادات والنصائح لضيوف هذا الحدث الكروي الاستثنائي.
وفي الوقت ذاته يكونون صارمين أثناء القيام بعملهم ، ولا يتغاضون عن إدخال بعض المواد المحظورة، مثل قارورات المياه والمشروبات الغازية ، هكذا هـم جنـود حمـوشي فـي مـونـديـال قطر ، مبتسمون وطيبون وودودون ، إلا أنهم حذرون ومستعدون للطوارئ في أي لحظة، كل شيء تحت السيطرة والمراقبة ، ولا يتركون أي شيء للصدقة ، في ظل التوفر على كافة الحاجيات والمستلزمات لمساعدتهم على ضبط الأمور بمهنية واحترافية عالية.
مونديال دون شغب
لعل ما يشد انتباه ضيوف كأس العالم، غياب أحداث شغب أو فوضى بملاعب المونـديال، كما اعتدنا مشاهدتها في العديد من الملاعب العالمية، كل شيء مضبوط لكسب معركة مونديال دون أحداث لا رياضية وإلى جانب الحضور الوازن لعناصر الشرطة ، وخبراء أمنيين من مختلف الدول الأجنبية، وبينهم مغاربة ، استعانت قطر بأجهزة مراقبة متطورة، عبر تخصيص 200 ألف كاميرا موزعة في جميع الأماكن والفضاءات العمومية والخصوصية، وموزعة بتقنية التعرف على الوجوه ، إنها وسيلة تعطيك الأمان والراحة والثقة، إلى حد أن هاجس الخوف من ضياع أغراضك غير مطروح على الإطلاق، طالما هناك كاميرات مراقبة في محطات الميترو والمطارات و الترام والملاعب الثمانية، التي تحتضن مباريات المونديال.
كما أنها منتشرة في الشوارع والمحلات التجارية والمقاهي والمطاعم ، إنها إجـراءات استباقية لضبط تحركات ضيوف المونديال، والتصدي الـفوري لكل مـا مـن شأنه أن يعكر صفو أجـواء هذه البطولة الحماسية، لهذا لم تسجل أي أحداث مؤسفة، أو احتجاجات على الملاعب ورجال الأمن في أبواب الملاعب، أو في فضاءات أخرى، حتى ولو كانت مكتظة بجماهير غفيرة متحمسة ومهووسة بأجواء الكرة.
واش أنت مغربي
ما إن تصادف رجـل أمـن مغربيا بزي مختلف عما آلفه، حتى تبادره بسؤال ” هل أنت من المغرب ، ومن أي مدينة ، ويجيبك بابتسامة وتلقائية ، طبعا أنا من فاس، حينها تشعر براحة وهدوء ، تشعر من خلالها أنك وسط أهلك ومعارفك وأصدقائك، ثم يطلب منك وضع أغراضك هنا ، قبل أن تمر من جهاز سكانير ، وبعدها يحييك ، متمنيا حظا موفقا للمنتخب الوطني.
لا يقتصر الحضور الأمني على عناصر جلبت من المغرب خصيصا لتأمين البطولة العالمية، بقدر ما يوجد أمنيون مغاربة ينتمون للجيش القطري، ومهمتهم مراقبة عملية الدخول إلى الملاعب ، سواء التي تحتضن المباريات الرسمية ، أو التداريب ، بعد إخضاعهم لدورات تكوينية حول كيفية الحفاظ على النظام العام.
الخبرة والكفاءة المغربية موجودتان كذلك في مختلف المجالات الأمنية، تفعيلا للتعاون المشترك بين المغرب وقطر، بغرض ضمان تدبیر جيد ومحكم للمونديال .
الأمان في كل مكان
وأنت في قطر تتابع المونديال بكل تفاصيله وتستمتع بطقوسه واجـواء احتفالاته، لا يمكن أن ينتابك هلع وخوف من ضياع أغراضك ، أو تتعرض للسرقة ، أو تكون مستهدفا من قبل جهة أو أشخاص بعينهم ، الجميع يعيش أجواء المونديال في أمن وسلام ، فوزارة الداخلية القطرية والمؤسسات الأمنية واللجنة العليا للمشاريع والإرث نجحت في تثبيت الأمن والسلام في مختلف القضاءات العمومية وتجمعات المشجعين.
كما أن عمليات التفتيش لا تقتصر على المشجعين ، بل تشمل جميع الضيوف، بمن فيهم الرسميون وكبار الشخصيات ومشاهير الكرة والفن، إذ يخضع الجميع للتفتيش اليدوي وعبر جهاز سكانير، لمصادرة أي مواد محظورة ، إن وجدت ، حتى لو كانت ولاعة سيجارة.
وما إن تتجاوز مرحلة التفتيش بنجاح، حتى تباغتك ملصقات ولافتات تحتوي على قائمة الممنوعات والمحظورات ، التي ينبغي التخلص منها ، قبل أن تلج إلى الملعب ، وإلا ستجد نفسك محروما من متابعة المباراة .
إنها إجراءات صارمة ، لكنها مجدية في الحفاظ على الأمن العام ، وضمان الأمن والأمان لجماهير المونديال بمختلف انتماءاتها وجنسياتها ، أما وإن ضاعت منك أغراضك ومقتنياتك ووثائقك الرسمية، وحتى نقودك ، فاعلم أنها لن تتوارى عن الأنظار ، وستعود إليك حتما في أقل من 24 ساعة ، هنا في قطر لا بأس أن تترك هاتفك وأعراضك في مكان عام ، دون أن تشعر بخوف من ضياعها ، لسبب بسيط ، وهو أن الأمن يحاصرك من كل جانب وعيون كاميرات المراقبة تترصدك أينما حللت واتجهت ، هكذا يعيش ضيوف قطر أجواء المونديال.