الحوار والانسجام بين النقابات والحكومة دليل جديد عليها.. أخنوش يرسّخ الهوية الاجتماعية للحكومة أمام مجلس المستشارين

30 نوفمبر 2022
الحوار والانسجام بين النقابات والحكومة دليل جديد عليها.. أخنوش يرسّخ الهوية الاجتماعية للحكومة أمام مجلس المستشارين
رابط مختصر

جلسة المساءلة الشهرية التي حضرها رئيس الحكومة عزيز أخنوش اليوم كانت مناسبة تواصلية وسياسية غاية في الأهمية بالنسبة للحكومة من أجل طمأنة مؤسسة الغرفة الثانية على مصالح الفئات العمالية والاتحادات المهنية وعلى مختلف الفئات الاجتماعية الممثلة في مجلس المستشارين. ولعلّ العرض الذي قدّمه عزيز أخنوش اليوم أمام المستشارين يكاد يمثل أهم حصيلة اجتماعية ومهنية يتطرق لها رئيس حكومة منذ سنوات داخل هذا المجلس، فرئيس الحكومة وقف أمام البرلمانيين بمنجزات وملفات وازنة تحقّق منها الكثير بينما لا يزال بعضها في طور الإنجاز، في الوقت الذي تعتزم فيه الحكومة أيضا فتح ملفات حارقة لم تعد قابلة للتأجيل.

وفي هذا السياق كان رئيس الحكومة عزيز أخنوش واضحا وصريحا وهو يعلن أن الاجتماعات المتعلقة باللجنة المكلفة بإصلاح أنظمة التقاعد متواصلة، ومن المرتقب الوصول إلى حلول متوافق عليها في غضون 6 أشهر المقبلة، وذلك لمواجهة أزمة صناديق التقاعد التي تعاني من عجز كبير بشكل أصبح يهدد معاشات المتقاعدين الحاليين والمستقبليين. لم يكن من الممكن أبدا تجاهل هذا الملف الحارق والساخن الذي يهدد التوازنات المالية الكبرى للدولة ويمسّ الاستقرار الاجتماعي للعديد من الأسر في الوقت نفسه. ولطالما مثّل ملف إصلاح نظام المعاشات موضوع جدل وتوظيف سياسي في الحكومتين السابقتين بالنظر إلى الطريقة التي تمت بها معالجته في عهد حكومة عبد الإله بنكيران.

ومن الملحوظ أن الخيط الناظم للجلسة التواصلية التي أطرها رئيس الحكومة أمام مجلس المستشارين هو التشاور والحوار. فكل القضايا والملفات الاستعجالية أو البعيدة المدى التي طرحها رئيس الحكومة أعلن أن التقدّم الحاصل بشأنها إنما يتم في إطار توافقي مع الفرقاء الاجتماعيين سواء من النقابات أو من الاتحادات المهنية. هذا ما خضعت له على سبيل المثال جلسات الحوار الاجتماعي التي توجّت باتفاق 30 أبريل الشهير الذي كان إيذانا بمرحلة جديدة من التعايش بين الحكومة والقطاعات النقابية عنوانه الرئيسي مأسسة الحوار وتحويله إلى ممارسة منتظمة ومنضبطة يحكمها الوضوح والصراحة من جهة، ومراعاة المصلحة الوطنية من جهة أخرى.

لم يأت عزيز أخنوش إذن إلى مجلس المستشارين من أجل إطلاق وعود أو شعارات أو الإعلان عن مواعيد جديدة، بقدر ما جاء إلى المجلس من أجل تكريس أجواء الثقة بين الحكومة والفرقاء الاجتماعيين. فهذه الحكومة التي أكملت سنتها الأولى تكاد تكون من الحكومات القليلة التي عملت منذ تنصيبها في أجواء من الانسجام والتناغم مع باقي الفرقاء بعيدا عن التعرّض لأي شكل من أشكال الضغوطات أو الابتزازات عبر الإضرابات أو تعطيل الحركة الإنتاجية أو إثارة الحركات الاحتجاجية الكاسحة، كما سبق أن فعلت حكومات سابقة بقرارات أحادية الجانب أو بخطوات يغلب عليها الطابع السياسي. لكن النقابات أو الاتحاد المهنية لم توقر هذه الحكومة لسواد عيونها، وإنما لأنها نجحت في ربط خيوط الحوار المنتظم الذي لا يكاد ينقطع بشكل عزّز من أطر التواصل وأعاد الاعتبار للعمل النقابي البناء والإيجابي.

كل ما تمت مناقشته إذن خلال جلسة المساءلة الشهرية أمام مجلس المستشارين كان مؤطراً بتِيمة “الاتفاق” السائد بين الحكومة وبين باقي الفرقاء الاجتماعيين. ومن المهم في هذا السياق الوقوف عند ما أعلنه رئيس الحكومة بخصوص التعديلات الهامة التي ستطال تشريعات العمل في بلادنا ومن أهمها إخراج القانون التنظيمي المتعلق بشروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب إلى حيز الوجود، ومراجعة مقتضيات مدونة الشغل، إضافة إلى مراجعة التدابير القانونية للانتخابات المهنية، وإخراج قانون المنظمات النقابية. وإذا لم تنفذ حكومة عزيز أخنوش غير هذه الإصلاحات الجوهرية في مجال العلاقة بين القطاعات النقابية وبين الحكومة فهذا كان سيكفيها لتكون أول حكومة تحدث ثورة حقيقية في هذا المجال.

يكفي أن نذكر في هذا الإطار بأن إخراج القانون التنظيمي المتعلق بشروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب إلى حيز الوجود يمثل مطلبا ترفعه النقابات منذ سنوات دون أن تلقى استجابة من الحكومات السابقة، منذ التعديل التاريخي الذي عرفه هذا القانون بالربط بين الأجر والعمل في عهد حكومة عبد الإله بنكيران. وسيمثل إخراج هذا القانون التنظيمي إلى حيز الوجود دليلا جديدا على العقيدة الاجتماعية التي اعتنقتها حكومة عزيز أخنوش منذ تنصيبها وتحمّلها مسؤولية تدبير الشأن العام، وهي نفسها السمة الغالبة على كل المشاريع والبرامج التي طرحها رئيس الحكومة اليوم أمام مجلس المستشارين.