خديجة محو
تعد رواية “رجال وكلاب” للروائي المغربي مصطفى لغتيري “من الروايات المهمة التي اهتمت بالجانب النفسي السيكولوجي،والتي أفرزت تيمة نفسية مهمة”الوهم”،تقع الرواية في78 صفحة،في طبعتها الثالثة 2018صدرت عن منشورات غاليري الأدب ،وتتكون من 9 فصول.
انطلق الحكي من مشهد، وصف فيه السارد حادثا وقع أمام عينيه، وهو يرى شخصين يعتقلان صاحب متجر ،اعتاد التبضع منه، هاله المشهد، تطلع إليه الرجل بنظرة متوسلة، مما جعله يحتار في نفسه ويتساءل عن السبب”لم يهمله الرجلان ،ليتم كلامه، رمقته بنظرة فارغة….لم أكن متأكدا من أنني سألبي رغبته ومع ذلك تعمدت أن أبعث في نفسه بعض الاطمئنان ، لا أدري لم فعلت ذلك “ص:5
استقل سيارة أجرة واتجه صوب مخفر الشرطة للاستفسار ولإبلاغ التاجر بالموضوع، لكن سرعان ما اندهش لأن السائق يشبه التاجر، تفاقمت شكوكه عند وصوله للمخفر والشرطي لم يتواصل معه ،وطرده فعاد خاسئا ،وحزمة من الأفكار والتوجسات ترهق تفكيره ،ومن هنا بدأت مخاوفه ،واستشرت الأوهام تباعا إلى دواخله.”توترت حركاتي مر شريط الأحداث في ذهني بسرعة هممت أن أسأل الرجل على حادثة القبض عليه، لكنني تراجعت عن ذلك شيئا فشيئا، ترسخت قناعته في ذهني أن ماعشته هذا الصباح لم يكن سوى وهم”ص:11
يخبرنا السارد في حكايته عن شجرة الانتساب والوصف الملعون الذي لاحقه وعائلته، وجده ذلك الفلاح البسيط وكلبه الذي مرض بداء السعار فاختفى ،دون عودة،وما أصاب جده إثر الحادث من لوثة عقلية حيث أنه أصيب بالجنون مما أدى به إلى تقمص ومشابهة الكلب في طعامه وشرابه ،وغير ذلك ،مما جعل سكان القرية يطلقون على العائلة وصف” بني كلبون” بقي الجد على تلك الحالة إلى أن توفي،مما جعل العائلة تفكر في الهجرة نحو المدينة،خوفا من التنمر،وتقريع الجيران،وقد كانت ذكرى”الحياة الكلبية ” لجد السارد مؤثرة في حياة أبيه الذي اشتغل في أحد المعامل ،وثابر في عمله ،وتزوج وسكن في منزله الجديد ،لكن اللعنة ستظل تلاحقه بسبب انتكاسة أخته أيضا(عمة السارد)،التي بدورها أصابها المرض النفسي ،الذي استعصى عن العلاج مما أدى بها إلى الوفاة في ضريح”بويا عمر”يقول السارد:”لم تمر فترة من الزمن على انتقال العمة إلى هناك حتى ماتت،وكأنها ذهبت لكي تموت”ص:36.
كل هذا جعل من السارد شخصية مضطربة متأثرة في نشأتها ومحيطها بحالة”جنون الكلاب” لأفراد العائلة، فصارت وضعيته النفسية هشة، ولولا البوح الذي لجأ إليه في الكتابة والقراءة، لكان ذلك لم يخف اختلالتها السيكولوجية المتعددة، كالتبول اللا رادي والاضطراب النفسي، والخجل، كثرة أحلام اليقظة والوسواس القهري، والاكتئاب، مما دفعها إلى إطلاق أحكام يؤطرها القلق الوجودي والتيه الروحي والفكري، فاعتبر نفسه مجرد خطأ، بحيث يقول”إنني اعتبرت نفسي مجرد خطأ،ولادتي خطأ…حياتي خطأ….كل شيء يحيط بي خطأ….،إنها أخطاء يصعب تحليلها أو محوها….،أخطاء قدرية”ص: 7
يتضح مما سبق أن الكتابة لها دور فعال، ومن أنجع الوصفات العلاجية لكثير من الأمراض المستعصية، سواء كانت ذات جذور وراثية ،يمكن إدراجها في “اللاوعي الجمعي” بلغة”كارل يونغ”، كاستعداد نفسي خاص عملت على تشكيله الوراثة أم ذات أصول ذاتية،جراء التنشئة الاجتماعية وتراكمات التجربة الحياتية والمعرفية.
يقدم متخيل رواية”رجال وكلاب “مادة مهمة للتأمل في العلاقة الممكنة بين الإبداع والأمراض النفسية، سواء على التفاعل مع المرض وتحبيره على الأوراق مستثمرا عمليةالتفريغ و البوح أم على مستوى جعل الملتقي يدرك أن الإبداع صيغة علاجية مرنه تمكن من إدراك وامتصاص كل مرض استعصى حله العلاج النفسي الكلينكي، وهكذا يصبح الحكي والكتابة معادلا رمزيا وفنيا، وعلاجا للاعتلالات النفسية.