صاحب الجلالة الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوقعان بالرباط الإعلان المتعلق بالشراكة الاستثنائية الوطيدة بين المغرب وفرنسا
تابع المغاربة باهتمام كبير ، توقيع الاتفاقيات الثنائية مع فرنسا . كما تابعوا استقبال البرلمان المغربي لفخامة الرئيس الفرنسي ، الذي أتيحت له فرصة شرف مخاطبة البرلمانيين المغاربة والشعب المغربي عبر وسائل الإعلام الرسمية . واذا كان الجميع قد صفق من داخل البرلمان ومن خارجه، للموقف الفرنسي المتقدم من قضية الوحدة الترابية للمملكة المغربية، وكذلك لدعوة فرنسا لوقف إطلاق النار في الشرق الاوسط وفتح المعابر لإدخال الإعانات الانسانية للغزاويين المحاصرين. وهو امر يتناغم مع مواقف المغرب …. الا انه اذا كان هذا قد لقي استحسانا ، فإن المغاربة سجلوا بإندهاش وخيبة امل ، عدم احترام مشاعر ملايين المتظاهرين المغاربة ضد الهمجية الإسرائيلية في الشرق الأوسط، والتي تتحدى كل القيم الانسانية وتتنافى مع القوانين الدولية ومع تعاليم كل الأديان بما في ذلك الدين اليهودي . وكذلك جرائم الإبادة الجماعية التي إدانتها العدالة الدولية . لقد اطل علينا فخامة الرئيس – ونعتقد انه فعل ذلك تحت ضغوط – لينطق بكلام يقفز على كل ما سبق ذكره ، لقد تحدث لنا عن حق اسرائيل في “الدفاع عن نفسها” (والحال انه نسي بانه يتحدث امام المغاربة الذين واجهوا حكومة “فيشي”الفرنسية للحيلولة دون اخذ اليهود المغاربة الى المحرقة النازية ) كما عبر السيد الرئيس ، في نفس الوقت عن اسفه لقتل المقاومة الفلسطينية للجنود الفرنسيين الذين أرسلتهم فرنسا مع الأسلحة المتطورة، للمساهمة ضمن جيش اسرائيل ، في قتل الفلسطينيين . وكأن الإبادة الجماعية وتدمير المباني والبنيات التحية الحيوية . والتهديد لدول الشرق الأوسط بضم اراضيها لتصبح كجزء من خريطة اسرائيل ، كما اعلن ذلك بوضوح تام ” السيد” نتنياهو. فهل كل ذلك ليس في نظر السيد إيمانويل ماكرون ، سوى دفاعا مشروعا عن النفس!!! وهذا الكلام هو ما تلقفته بعض القنوات المشبوهة والمعادية للمملكة. دون ان تاخذ في الاعتبار بان القواعد الديبلوماسية لا تسمح بمزاولة الرقابة على خطاب رئيس دولة نستضيفه في بلادنا . ان هؤلاء القوم ، لا يأخذون في اعتبارهم اننا نثق في حرفية ديبلوماسية بلدنا وكفاءتها ونبل القيم التي تتشبث بها ،وهي تعقد الاتفاقيات وتربط العلاقات الثنائية .
اننا كمواطنين مغاربة ، انطلاقا من مستوى إدراكنا للامور، ومما يسمح به موقعنا ، نمارس التتبع الواجب وإبداء الراي المشروع بشأن كل ما يتعلق ببلدنا ، وذلك من باب الغيرة الوطنية و التعبير عن التحذيرات التي نراها . ومن ذلك، ما نعتبره من وجهة نظرنا ، تحديات تتطلب يقظة ديبلوماسية واقتصادية ، وذلك لحماية ما نحن مقبلون عليه من مشاريع واتفاقيات طموحة مع الشركاء الفرنسيين .
فكما سبق ان توقعنا ، تمكن المغرب وفرنسا من عقد اتفاقيات اقتصادية وسياسية وأمنية، بغلاف مالي ضخم ، يترجم قوة الإرادة التي تحدو الطرفين للذهاب بعيدا في الشراكة بينهما …وذلك ما لا تنظر إليه بعين الرضا العديد من الأطراف.
لكننا نعتقد أنه الى جانب تلك الفقرة من خطاب فخامة الرئيس ، هناك عدة معطيات ومؤشرات لها ما يؤكدها من مرتكزات موضوعية ، بأبعادها المتعددة . تجعلنا نتوقع أن تواجهنا العديد من التحديات على مختلف الأصعدة، فيما هو اقتصادي و في ما هو ديبلوماسي وثقافي ، يحتمل أن يؤثر بعضها اومجموعها على عمق الشراكة واستقرارها وتطويرها بين البلدين .
ومن بين أبرز تلك التحديات نذكر ما يلي :
1- النظام الجزائر ي الذي يوظف كل ما تملكه الدولة الجزائرية لمعاكسة المغرب.. والذي سوف لن يدخر جهدا ليجد من اين يتسلل عبر أمواله ولوبياته لإفساد التعاون المغربي الفرنسي .
2- التحدي الثاني الذي يظهر في الأفق ويتطلب من البلدين قدرات كبيرة لحل معادلاته المعقدة واشكالاته المتشابكة ..ويتمثل في الشق الاقتصادي الذي يشمل البنيات التحتية والطاقة والصناعة .وهذا ما يحتمل أن يتأثر بالمنافسة الدولية . خاصة وان المغرب لم يبق يضع بيضه في السلة الواحدة او ان يقبل بالهيمنة وفرض الشروط، وهو نزوع فرنسي بامتياز ، ولا ندري مدى تخلص الفرنسيون من نزوعهم المتاصل هذا ؟
فالمغرب كما هو معروف قام بتنويع شركائه ردا على مناورات وضغوط دول الاتحاد الاوروبي ..وفرنسا كانت في المقدمة. وهذا ما قد يشعر معه الفرنسيون بان بلدهم فقد مكانته كشريك رئيسي .ولا ندري مدي قدرتهم على إعادة النظر في قناعاتهم ونظرتهم المتعالية وأساليب تعاملهم مع الشركاء من دول ما وراء البحار وخاصة الأفارقة وفي المقدمة المغرب الذي ذهب بعيدا في سياسة” رابح رابح “.
3- التحدي القوي الاحتمال ويتعلق بالعوامل السياسية والأمنية… فالمغرب وفرنسا كماهو معلوم .تربطهما علاقات إنسانية قوية بسبب الجالية المغربية الكبيرة المقيمة في فرنسا والجالية الفرنسية المقيمة في المغرب .وهذا ما قد يصطدم مع سياسات الدولة الفرنسية في مجال الهجرة والتي أدت إلى تلك العنصرية التي حقن بها المجتمع الفرنسي، الى جانب القوانين التي تعتمدها الدولة الفرنسية وشيطنتها للمهاجرين وخاصة المسلمين منهم .
هذه الوضعية اصبحت مزمنة في فرنسا ومن الصعب معها ان تتم تهدئة مشاعر الفرنسيين وتغيير عقلياتهم . والحال ان أغلبية المهاجرين المغاربة توجد بفرنسا . ولعل هذا ما قد يتسبب في احتكاكات ؛ لا شك انها ستؤثر على التفاهمات الثنائية .
كما أن هناك تحديات تتعلق بالتعاون الأمني وخاصة عندما يطلب من المغرب القيام بأدوار تتعلق بالهجرة والتي مافتيء يعبر عن رفضها ، وذلك لغياب صيغة مقبولة لمعالجة شاملة لموضوع الهجرة من شأنها ان تسمح بتعاون مستدام وفعال بين الطرفين تنخرط فيه مجموع مكونات الاتحاد الاروبي .
4- التباين الثقافي والديبلوماسي ، ويتعلق بالهوية والدين والهجرة . وهي مجالات محملة بانفعالات قادرة على أحداث هزات في علاقات التعاون ، اذا لم يتمكن الطرفان من احتوائها ، وضبط منهجية واضحة وسليمة لتدبيرها بشكل صحيح . اما المجال الديبلوماسي فانه يمثل تحديا وازنا، بسبب نظرة كل من الطرفين الى أدواره الإقليمية والقارية وفي المنطقة المتوسطية . فالمغرب كما هو معلوم ذهب بعيدا في ديبلوماسية التعاون جنوب جنوب .، ومبدأ رابح رابح .وبفضل ذلك عزز مكانته في افريقيا وفي أمريكا الجنوبية . وبفضل ذلك بنى تحالفات عديدة على اساس هذه المبادىء . وهذا مانخشى ان لا تستطيع العقلية الفرنسية تفهمه ومواكبة ..
تلك كانت باختصار شديد بعضا من التحديات التي قد يكون لها بعض التأثير على تفاهمات الشراكة والتعاون المغربي الفرنسي . ونعتقد ان الوعي المسبق بهذه التحديات ومعالجتها، أمرضروري لحماية هذه الشراكة من كل ماقد يعيقها او يحد من نتائجها . و ذلك يتطلب من حكماء البلدين المزيد من اليقظة لحماية هذه الشراكة ولضمان استمراريتها وتعميقها واستدامتها .