“أزمة المياه في المغرب : حوار مع الدكتور رشيد حسناوي حول التحديات والحلول “

9 أكتوبر 2024
“أزمة المياه في المغرب : حوار مع الدكتور رشيد حسناوي حول التحديات والحلول “
رابط مختصر
IMG 20241009 WA0048 scaled - Tawasol24news

أستاذ باحث في الاقتصاد وتقييم السياسات العمومية 

مدير فريق للبحث بجامعة ابن طفيل -القنيطرة 

هذا الحوار يسلط الضوء على السياق الدولي للضغط الكبير الذي تعاني منه الموارد المائية ويركز على الوضع الخاص في المغرب. يتضمن كذلك بعض الإحصائيات العالمية والخاصة بالمغرب حول المياه ويعطي نظرة عامة على خطورة الأزمة ويقترح في نفس الوقت تصور حول الاليات والحلول الممكنة للتقليل من أثر ندرة المياه وإشكالية حكامة تدبيرها ببلادنا.  

كتقديم أولي يمكن الاشارة أن العالم اليوم يشهد أزمة متفاقمة في الموارد المائية، حيث يتزايد الضغط على مصادر المياه العذبة بسبب التغيرات المناخية، والنمو السكاني السريع، والتلوث المستمر للأنهار والبحيرات. حيث تشير التقارير إلى أن أكثر من 2 مليار شخص يعانون من نقص في المياه الصالحة للشرب (منظمة الأمم المتحدة للطفولة ومنظمة الصحة العالمية، 2020). هذا الرقم مرشح للارتفاع مع تفاقم الأزمة البيئية. وفي هذا السياق العالمي المقلق، يبرز المغرب كأحد الدول الأكثر تأثراً بهذه الأزمة و ذلك راجع لعدة عوامل.

س1: كيف تظهر لكم أزمة المياه عالميا، وما هي الأسباب الرئيسية للضغط المائي على المستوى العالمي؟

هناك عوامل رئيسية تسهم تفاقم أزمة المياه، من بينها تغير المناخ، النمو السكاني، تلوث الموارد المائية، وسوء إدارة هذه الموارد. و لكن، يبقى القطاع الفلاحي المسؤول الأكبر عن الضغط المائي على مستوى العالم. فحسب تقرير البنك الدولي (2022)، يستهلك القطاع الفلاحي حوالي 90% من إجمالي الموارد المائية المتاحة، فيما يُخصص الـ10% المتبقية للصناعة والاستهلاك المنزلي واليومي. حاليا، يتركز النقاش في جميع أنحاء العالم على كيفية إدارة الموارد المائية بشكل أكثر عقلانية، والبحث عن طرق مبتكرة لتجديد هذه الموارد وضمان استدامتها.

س 2: يُشار إلى المغرب غالبًا كواحد من أكثر الدول الافريقية تأثرًا بالضغط المائي. ما هي العوامل المحددة التي تفاقم أزمة المياه في البلاد؟

فعلا يشهد المغرب ضغوطًا مائية كبيرة نتيجة لمجموعة من العوامل البيئية والإدارية والتدبيرية. ويعد الجفاف المتكرر أحد أبرز هذه العوامل، حيث تساهم التغيرات المناخية في زيادة وتيرة وشدة فترات الجفاف، مما يقلل من توافر المياه الجوفية. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي الإفراط في استغلال المياه الجوفية عبر الحفر العشوائي للآبار إلى استنزاف هذه الموارد بشكل مقلق، مما يهدد باستمرار انخفاض منسوب المياه المتأتية من الآبار ومن المصادر الطبيعية الأخرى. فحسب الدراسة الميدانية التي نقوم بها- أي على مستوى فريق البحث في تقييم السياسات العمومية بجامعة ابن طفيل – رصدنا بعض حالات الإهمال والتغاضي الإداري في التعامل مع مخالفات استنزاف الفرشاة المائية عن طريق الحفرالعشوائي وغير القانوني للآبار في الضيعات الفلاحية الكبرى. وتضاف إلى ذلك تحديات سوء إدارة وتدبير الموارد المائية.

وكنتيجة، أدى الإفراط في استغلال المياه الجوفية إلى تدهور كبير في منسوب المياه في مختلف مناطق المغرب. حسب معطيات التعاون الإقليمي من أجل إدارة مستدامة للموارد المائية في المغرب العربي (2018) فقد شهدت منطقة سوس انخفاضًا في مستوى المياه الجوفية بمقدار 25 مترًا، بينما تجاوز الانخفاض 40 مترًا في منطقة الحوز، ووصل إلى 60 مترًا في منطقة سايس، وبلغ أكثر من 60 مترًا في الجهة الشرقية.

في هذا الإطار أي على المستوى الإداري، يعود مشكل الماء في المغرب بشكل أساسي إلى تعدد المتدخلين. ففي المغرب، تتوزع مسؤولية إدارة المياه بين عدة مؤسسات، بما في ذلك الجماعات الترابية، والمكاتب الجهوية للاستثمار الفلاحي، والسلطات المحلية التابعة لوزارة الداخلية، ووزارة التجهيز والماء، ووزارة الفلاحة، بالإضافة إلى وكالات الأحواض المائية، وغيرها. وعلى الرغم من جهودها، لم تتمكن هذه المؤسسات على مر السنين من وضع تدابير وقائية فعالة لحماية الموارد المائية في البلاد. و في نفس السياق من الضروري أن ننبه اليوم الى ان حل الأزمة لا يمكن أن يتم فقط من خلال فرض قيود على استهلاك الأسر أو إغلاق الحمامات العامة لبضعة أيام، بل يتطلب ترشيد استخدام المياه في القطاع الفلاحي الذي يعتبر المصدر الأساسي للأزمة.

أيضا من بين إحدى الأسباب الرئيسية لنقص المياه في المغرب نذكر مسألة التكلفة المدعومة بشكل كبير من طرف الحكومة. حيث أنه في القطاع الفلاحي عملية تحليل التكاليف الفعلية للإنتاج والعائد لا تشجع الفلاحين و خاصة دوي الضيعات الكبرى على تبني ممارسات ري أكثر اقتصادًا أو الاستثمار في تقنيات حديثة لإدارة المياه. وهو ما يسمى في علم الاقتصاد

(analyse coûts-bénéfices)

على سبيل المثال، يتم بيع مياه السدود للفلاح بسعر يقدر بـ 1.30 درهم للمتر المكعب من طرف المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لتادلة، وبسعر يتراوح بين 0.30 و 0.35 درهم للمتر المكعب من طرف المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي للحوز، في حين أن المياه الناتجة عن تحلية مياه البحر في منطقة سوس ماسة تكلف حوالي ستة دراهم للمتر المكعب. وكنتيجة لسعر البيع المخفض هذا، يتم هدر المياه أو استخدامها بشكل غير صحيح، مما يسهم في استنزاف أكبر للموارد المائية المتاحة.

أيضا مشكل الرؤية والكفاءة مطروح بشكل كبير لدى الحكومة في مجال الماء. فالتشخيص الترابي في مجال الماء يعاني من محدودية في الجودة والجدوى، حيث يواجه المسؤولون صعوبات كبيرة في تحليل البيانات والتقارير المتعلقة بالوضعية المائية بمختلف جهات المغرب. مثلا، تُجمع البيانات من مصادر متعددة ومتنوعة، مثل مجالس الجهات، والمندوبية السامية للتخطيط، والجماعات، وكذلك الأقاليم والعمالات، فضعف الكفاءة أحيانا يحول دون التحليل العلمي للنتائج المستخلصة من التقارير المعطيات.

س3: ما هي النتائج الرئيسية لهذه الأزمة على السكان والاقتصاد المغربي؟

تأثير أزمة المياه يجب مناقشته على أكثر من صعيد. فمن الطبيعي أن تؤثركل الأسباب التي تم ذكرها بشكل مباشر أو غير مباشر على المواطن المغربي من خلال تقليص حصة الفرد من مياه الشرب، مما يزيد من معاناة الساكنة بالجهات التي تعاني أكثر من ندرة المياه. مثلا نذكر حسب المعطيات الأخيرة لوزارة التجهيز والماء أنه في عام 1960، كانت حصة الفرد من المياه تبلغ 2560 متر مكعب سنوياً، مما كان يعكس وضعاً مريحاً نسبياً من حيث توفر المياه. ولكن هذا الوضع تدهور بسرعة على مر السنين، حيث وصلت الحصة إلى 731 متر مكعب للفرد في عام 2005. واستمرت هذه الاتجاهات السلبية حتى بلغت حصة الفرد 645 متر مكعب في عام 2015، واليوم أصبحت الحصة أقل من ذلك، حيث تقدر بـ 600 متر مكعب تقريبا للفرد سنوياً. هذا الرقم أقل بكثير من العتبة المعترف بها دولياً والتي تبلغ 1000 متر مكعب للفرد سنوياً، والتي يُعتبر ما دونها مستوى ندرة مياه. اذن هذه الأرقام تعكس خطورة الأزمة المائية في المغرب.

كما أن القطاع الفلاحي يواجه تحديات كبيرة بسبب ندرة المياه، مما يؤدي إلى تراجع الإنتاج الزراعي وزيادة الضغوط على الأمن الغذائي. وتتفاقم هذه المشكلة بشكل خاص في المناطق التي تعتمد على الري التقليدي والمصادر المائية غير المتجددة والمناطق المعروفة بالزراعات المعيشية، مما يؤدي إلى تدهور التربة وتقليص المساحات المزروعة وبالتالي ارتفاع أسعار المواد الفلاحية وتفاقم مشكل الهجرة من القرى الى المدن الكبرى.

وفي الصناعة أيضا، تؤدي أزمة المياه إلى تقييد العمليات الصناعية وزيادة تكلفتها، خاصة في القطاعات التي تعتمد بشكل كبير على الموارد المائية، مما يعيق النمو الاقتصادي. وبطبيعة الحال، للإشارة اتجهت بعض المؤسسات التي تتوفر على المكانيات المادية إلى ابتكار طرق جديدة للتكيف مع ندرة المياه وتقليل تأثيرها على أنشطتها الاقتصادية. على سبيل المثال، قام المكتب الشريف للفوسفاط بإنشاء محطتين لتحلية مياه البحر، الأولى في الجرف الأصفر سنة 2015 والثانية في مدينة آسفي سنة 2023. وتجدر الإشارة إلى أن محطة تحلية مياه البحر في آسفي تتألف من وحدة مخصصة لإنتاج المياه للاستخدام الصناعي إضافة الى وحدة مخصصة لإنتاج مياه الشرب، وبحلول عام 2026، من المتوقع حسب بيان المكتب الشريف للفوسفاط بوكالة المغرب العربي للأنباء أن يصل حجم المياه المحلاة للاستخدام الصناعي في مدينة آسفي إلى 20 مليون متر مكعب سنويًا، مع السعي لتزويد كامل منطقة مراكش-آسفي بهذه المياه في السنوات القادمة. ومع ذلك، لم يتم حتى الآن إجراء تقييم شامل لتأثير هاتين المنشأتين، خاصة فيما يتعلق بالمخلفات الناتجة عن التقنية والمواد المستخدمة في عمليات التحلية، مما يثير تساؤلات حول الآثار البيئية المحتملة لهذه التقنيات. فالتحلية فكرة جيدة تعتمدها مجموعة من الدول ولكن يجب الأخذ بعين الاعتبار الأثار الجانبية للتحلية على الحياة البحرية خاصة ان مشاريع التحلية يصاحبها تصريف المحلول الملحي في البحر واستهلاك كميات كبيرة من الطاقة وانبعاثات الكربون المسؤول عن التلوث.

س4 : ما هي الحلول والاستراتيجيات المقترحة أو المنفذة لتخفيف هذه الأزمة في المغرب؟ و هل تعتقد أن هذه التدابير كافية؟ 

هناك مجموعة من المبادرات الإيجابية التي قام بها المغرب تم تفعيلها تحت القيادة الحكيمة للملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله منذ الاستقلال، مثل تحديث أنظمة الري وبناء السدود في جميع ربوع المغرب. هذه السياسة الحكيمة مكنت المغرب من التوفر على بنيات تحتية هامة لتعبئة وتخزين المياه. ويستمر المجهود حاليا مع الرؤية المتبصرة للملك محمد السادس حفضه الله من خلال مخططات وبرامج وطنية وجهوية نخص بالذكر المخطط الوطني للماء 2020-2050 بكلفة اجمالية تقدر ب 383 مليار درهم على مدى الثلاثين سنة المقبلة والذي أتى بأمور جد إيجابية كالمخططات الموجهة و المندمجة للموارد المائية وكذلك مشاريع الربط بين الأحواض المائية وتحلية مياه البحر بمدن أكادير و الدار البيضاء، وإعادة استخدام المياه العادمة في مجموعة من الحواضر الكبرى و كدلك التواصل الفعال عن طريق الخطب الملكية التي تتوخى التوعية بضرورة الحفاظ على الثروة المائية.

أريد أيضا التركيز على الدور المحوري للمؤسسات الدستورية للرقابة. يا للأسف الشديد البعض منها تم تعطيله وخاصة المجلس الأعلى للماء والمناخ وكذا اللجنة بين وزارية المكلفة بالماء بحيث لا وجود لتقارير ولا مذكرات ولا أبحاث في هذا المجال منذ 2011.

مستقبلا يمكن للاستراتيجيات المستدامة في إطار التنسيق المحكم بين الفاعلين وتعزيز التلقائية السياسات العمومية يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي. وبهذا المعنى، تجدر الإشارة إلى أنه من خلال تقليل استهلاك المياه، يمكننا أيضًا تقليل إنتاج الطاقة وانبعاثات الغازات السامة، لأن المياه تتطلب طاقة للتحرك والتبريد والمعالجة، مما يعني ان التدبير المستدام للماء يمكن أن يولد وفورات مهمة للمغرب.

ينبغي على الحكومة المغربية أن تنظر في تعميم إنشاء وحدات لتثمين المياه العادمة في جميع مدن المملكة. إن التجربة الناجحة لمحطات معالجة المياه العادمة التي أنشأتها صناعة الفوسفات في كل من خريبكة، بنجرير، واليوسفية تبرز بوضوح فعالية وأهمية هذه المنشآت. هذه المحطات تمكّن من معالجة وتثمين أكثر من 10 ملايين متر مكعب من المياه العادمة الحضرية سنوياً، حيث أن محطة خريبكة وحدها، التي بدأت تشغيلها منذ عام 2010، قادرة على معالجة ما يصل إلى 5 ملايين متر مكعب سنوياً. بالإضافة إلى ذلك، تُعد تجربة شركة كوسومار (COSUMAR) في محطة سوتا (SUTA) بمدينة بني ملال مثالًا آخر يُحتذى به في مجال تثمين المياه العادمة. هذه التجربة تُظهر كيف يمكن إعادة استخدام المياه العادمة في عمليات صناعية هامة، مما يعزز من الكفاءة المائية ويوفر حلاً مستداماً للمشكلات البيئية.

تطوير هذا النوع من البنية التحتية على المستوى الوطني لن يخفف فقط من الضغط على موارد المياه الصالحة للشرب، بل سيساهم أيضًا في إدارة أكثر استدامة وفعالية للموارد المائية، من خلال تحويل النفايات إلى مورد ثمين يخدم عدة قطاعات مثل الصناعة والزراعة. لذلك، يُوصى بأن تولي الحكومة أولوية للاستثمار في مثل هذه الوحدات، مما يضمن استدامة موارد المياه على المدى الطويل.

وبما أن الماء يتم تدبيره عمليا بالجهات فيجب ان نتفادى مركزية القرارات المتعلقة بالسياسة المائية. حيث ان دور الجماعات الترابية مغيب في تنزيل السياسة المائية. لأنه في الواقع كل القرارات ممركزة داخل القطاعات الوزارية المعنية (التجهيز والماء، الداخلية والفلاحة). وبناء عليه نوصي بجهوية موسعة في مجال الماء وبإعطاء القيمة والتحفيز الكافيين لشرطة المياه على مستوى الجماعات. مثلا يُعتبرعدد مستغلي المياه بدون ترخيص مرتفعًا بشكل لافت وفقًا لمعطيات المرصد المغربي للإدارة العمومية (2022)، حيث تجاوز في عام 2017 أكثر من 102264 مستغلًا غير مرخص لهم، مقارنة بـ 52,557 مستغلًا مرخصًا لهم فقط.

يجب أيضا إيلاء اهتمام خاص لملاءمة سياسة تسعير مياه الري مع الواقع الحالي ببلادنا بهدف عكس ندرة المياه والتكاليف الفعلية لتعبئتها. مثلا يعود تنظيم تسعير المياه للاستخدام الزراعي إلى سنوات 1969 في إطار “مدونة الاستثمار الفلاحي”.

وفي الختام، من الضروري إعداد نظام محاسبي للماء ونظام معلومات وطني للمياه. حيث تُدار موارد المياه حاليًا في غياب نظام محاسبي يمكن من الحصول على معرفة دقيقة بالتكاليف الحقيقية. في هذا السياق، أكد مشروع المخطط الوطني للماء على ضرورة اعتماد مرجع وطني لمحاسبة الماء يعكس التكاليف الفعلية على مستوى كل جهة. كما يجدر بالذكر أن نظام المعلومات المنصوص عليه في القانون رقم 36.15 المتعلق بالماء لم يتم إنشاؤه بعد، مما يحول دون الوصول إلى بيانات شاملة ودقيقة لإدارة الموارد المائية بشكل فعال.