مقترح لمفهوم جديد لحماية المستهلك”

2024-03-16T02:07:22+00:00
2024-03-16T02:10:14+00:00
مجتمع
16 مارس 2024
مقترح لمفهوم جديد لحماية المستهلك”
رابط مختصر

باسمي وباسم جميع أعضاء الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، أتقدم بالتهاني الحارة إلى كل المستهلكين المغاربة بمناسبة اليوم العالمي لحقوق المستهلك الذي يصادف يوم 15 مارس من كل سنة.
إن الجامعة المغربية لحقوق المستهلك بدأت منذ سنة 1997 بالنضال لترسيخ ثقافة استهلاكية لدى مختلف شرائح المجتمع المغربي وبجميع جهاته، وذلك من خلال تأطير الجمعيات المنضوية تحت لوائها إلى أن أصبح “المستهلك” حاضرا في كل المنابر الإعلامية الرسمية والمدنية والخاصة.
إن الجامعة المغربية لحقوق المستهلك مؤسسة غير حكومية تؤمن بأن لا مستقبل للحركة الاستهلاكية الوطنية بدون تقارب بين كل الفاعلين في السوق من مورد وحكم ومراقب ومستهلك وإعلام. ويعد هذا الأخير حلقة تنسيق بين كل المتدخلين في مجال حماية المستهلك. وما وصلت إليه الحركة الاستهلاكية اليوم من نتائج إيجابية هو بفضل الإعلام الصامد بين الفاعلين في هذه الحركة والمستهلك والمؤسسات الحكومية والخاصة.
ونظرا لأهمية الموضوع، وبمناسبة الاحتفاء باليوم العالمي للمستهلك لسنة 2024، ارتأت الجامعة المغربية لحقوق المستهلك تقديم مفهومها الجديد لحماية المستهلك، الذي يستحضر دائما مفهوما قديما لتبرير نزول المفهوم الجديد.
يعتبر المغرب من الدول القليلة التي اعتمدت النموذج الفرنكفوني لحماية المستهلك، والذي يستمد قوته من المجتمع المدني للقيام بترسيخ مفهوم حماية حقوق المستهلك المعترف بها دوليا، وطبقا للمبادئ التوجيهية المعتمدة في الموضوع من لدن الأمم المتحدة. كما يعد المغرب من الدول الأولى التي صادقت على الميثاق الأممي لحماية المستهلك سنة 1985، وكان تاريخ انطلاق تأسيس جمعيات حماية المستهلك انطلاقا من مدينة الدار البيضاء سنة 1993، ثم مكناس 1996 فالقنيطرة سنة 1997. وعرفت الحركة الاستهلاكية المغربية ثلاث مراحل.
المراحل الأساسية للحركة الاستهلاكية بالمغرب
المرحلة الاولى بين سنة 1959 وسنة 1982:
بعد فاجعة زيوت مكناس سنة 1959 والتي كانت السبب الأساسي في تعزيز اهتمام دول العالم بجودة وسلامة المواد الغذائية (خطاب كينيدي 15 مارس 1962 وإنشاء الدستور الغذائي 1963 وتعديل مؤسسة
التغذية والأدوية الأمريكية 1973، …الخ)، وجد المغرب نفسه آنذاك بدون وسائل تأمين العيش السليم للمواطن، فكان صدور الظهير المؤرخ ب 22 أكتوبر 1959 بمثابة ثورة قانونية، لأنه ولأول مرة يصدر

قانون له أثر رجعي وقتئذ. وعرفت هذه الفترة اهتمام السلطات بتنظيم السوق وتقوية مؤسسات المراقبة بصدور قوانين منها القانون 1-75-291 المتعلق بالمراقبة الصحية للمواد الحيوانية أو حيوانية المصدر المؤرخ ب 8 اكتوبر 1977 وقانون مراقبة الأسعار المؤرخ ب 29 /12/1971 وقانون زجر الغش 13-83 سنة 1985 والقانون 1-82-70 المتعلق بالحسبة.
المرحلة الثانية ما بين سنة 1983 وسنة 1999.
عرفت هذه الفترة تقصيرا ملحوظا نظرا للظرفية الدقيقة التي كان يمر منها المغرب بسبب سنوات الجفاف وإلزامية تطبيق شروط البنك الدولي (برنامج التقويم الهيكلي PAS)، مما جعل الإدارات المكلفة بالمراقبة تهتم أكثر بالتموين وتوفير المواد في السوق، وذلك على حساب السلامة الصحية.
وقد نتج عن هذه الوضعية ظهور تسممات غذائية بعضها مميت كتناول النقانق التي أثارت ضجة إعلامية هزت الرأي العام الوطني سنة 1999. وتميزت هذه الفترة بظهور جمعيات حماية المستهلك لملء فراغ المؤسسات الحكومية التي كانت تسهر على المراقبة، ووصل عددها في نهاية القرن الماضي عشر جمعيات لم يتبق منها إلا الجمعية المغربية لحماية وتوجيه المستهلك بالقنيطرة، والتي احتفت السنة الماضية بمرور ربع قرن من النضال في ميدان حماية المستهلك.
المرحلة الثالثة ما بين 1999 و2023.
تزامنت هذه المرحلة مع المفهوم الجديد للسلطة الذي نادى به صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده في خطاب جلالته يوم 12 أكتوبر 1999 والذي يحمل دلالات كبرى. كما أننا نعتبر الخطاب السامي لصاحب الجلالة بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب يوم 20 غشت 2008 انطلاقة نوعية للحركة الاستهلاكية بالمغرب، ومنذ هذا الحدث المفصلي في تطور الحركة الاستهلاكية ببلادنا توالت المكاسب التي عرفها الحقل الاستهلاكي المغربي، ومن بينها إصدار القوانين المتعلقة بتعزيز مكانة مؤسسات الحكامة الأفقية والقطاعية. فمن مؤسسات الحكامة الأفقية على سبيل المثال دون الحصر مجلس المنافسة، والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، …. الخ. ومن مؤسسات الحكامة القطاعية الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري والوكالة الوطنية لتقنين المواصلات. كما تم تعديل هيكلة العديد من الوزارات لمنح الاستقلالية لمصالح المراقبة كالمكتب الوطني للسلامة الصحية لمنتجات الغذائية وهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي.
وفي هذه المرحلة الانتقالية للمشهد المغربي تمت المصادقة على مشروع قانون حماية المستهلك (27.00) الذي ظل للتذكير لما يزيد عن عقد من الزمن في رفوف الأمانة العامة للحكومة إلى غاية صدوره بالجريدة الرسمية بتاريخ 18 فبراير 2011 تحت رقم 31-08 والقاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك. كما تم سن النصوص التطبيقية بين 2012 و2016، ولازال بعضها في خانة الانتظار كالمرسوم المتعلق بصندوق الدعم.

إننا نعتبر هذه الفترة بمثابة مرحلة البناء الصحيح لصرح حماية المستهلك ومأسسة الآليات الهادفة إلى ضمان حقوقه، وتوفير المناخ المناسب لنشر الوعي بالأهمية القصوى التي باتت تكتسيها الثقافة الاستهلاكية وحماية المستهلك والدفاع عن حقوقه على الصعيدين الوطني والدولي في العصر الراهن، مما يفسر التوسع المتزايد لحجم الحركة الاستهلاكية من خلال تأسيس جمعيات حماية المستهلك التي ارتفع عددها من 10 سنة 2000 الى 121 سنة 2022، وكذلك ظهور عدة تكتلات لهذه الجمعيات على الصعيد الوطني.
المفهوم الجديد لحماية المستهلك
إن هذا الموجز التاريخي والمتميز بالمرجعية ذات الطابع الفرنكفوني لمفهوم حماية المستهلك والذي ينحصر في نشاط المجتمع المدني الذي يعنى بحماية المستهلك، لم يعط ثماره المنشودة بالمغرب ولا أيضا بفرنسا التي عرفت تقليص دعم الدولة الفرنسية لجمعيات حماية المستهلك وتراجع زخمها، ولذلك ارتأت الجامعة المغربية لحقوق المستهلك عرض اقتراح لمفهوم جديد لحماية المستهلك في إطار نظام اقتصادي ليبرالي معتمد على حرية السوق. وانطلاقا مما سبق، يمكن اختزال حماية المستهلك في المعادلة التالية:
أن حماية المستهلك تعادل (=) حماية حرية السوق الحر
وحماية حرية السوق الحر تعني حماية الفاعلين في الميدان، أي حماية المورد والمستهلك، كما تم تعريفهما في المادة 2 من القانون 31-08 المتعلق بتحديث تدابير حماية المستهلك، ومختلف آليات المراقبة والحكامة. وهو ما يعني أن حماية المستهلك هو حماية حرية السوق وبالتالي حماية كافة الفاعلين داخله، من خلال ضمان حرية المبادلات في إطار اقتصادي يحرص على احترام قواعد العرض والطلب والمنافسة الحرة والنزيهة.
ولضمان استمرارية السوق الحر كمحور للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، يجب عليه أن يوفر تكافؤ الحماية وضمان القدرة التفاوضية لكل الفاعلين به من مورد ومؤسسات حكومية (مراقبة وحكامة) ومستهلك، مما يؤدي إلى الانتعاش الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي بضمان استمرارية الإنتاج نتيجة استهلاك دائم مما يوفر فرص الشغل لليد العاملة، وتفادي إفلاس المقاولات، وتجنب الفوضى.
إن معادلة حماية المستهلك في المفهوم الجديد تلزم كل فاعل اقتصادي في السوق بالقيام بما يلي:
على المورد أن يمتثل لقانون المنافسة وقانون حماية المستهلك وقانون التجارة وقانون المعطيات الخاصة والالتزام بالتدابير الضرورية لتفادي الغش والمس بسلامة المستهلك وبحقوقه الاقتصادية والمساهمة، كذلك، في البحث العلمي للإبداع.

على الادارة الالتزام بالحياد والمراقبة طبقا للمفهوم الجديد المنصوص عليه من طرف منظمة الدستور الغذائي والحكامة بتطبيق القوانين والمساطر لحماية مصالح المستهلك والمورد معا،

وهذا يتطلب تجنب التشتت الإداري الحالي في ميدان المراقبة وإنشاء هيئة أو وزارة تهتم بالاستهلاك.

على المستهلك أن يعمل على معرفة حقوقه وانخراطه في الجمعيات لتقوية قوته التفاوضية والاستفادة من التأطير وكيفية التبضع السليم بدون إسراف ولا تبذير. ولكي يكون المجتمع المدني الذي يعنى بحماية المستهلك فاعلا اقتصاديا في هذا السوق، وجب عليه الرقي من العمل التطوعي إلى العمل الاحترافي. وهذا لا يمكن القيام به إلا في إطار مؤسسة منتخبة بطريقة ديمقراطية ومستدامة ممولة من جزء من مداخيل الضريبة على القيمة المضافة على غرار الغرف المهنية التي تمول من جزء من الباتنتا (Patente)، مما يمكنها من تمثيل المستهلك في المؤسسات الدستورية وتفادي سلبيات قانون تأسيس الجمعيات الذي يفتح الباب على مصراعيه لكل من هب ودب.

إن هذا المفهوم الجديد المقترح يتطلب كذلك إعادة النظر في الدور المفصلي للقضاء بخلق قسم خاص بالمنازعات المتعلقة بالاستهلاك وإلزامية معالجة قبلية من طرف جمعيات حماية المستهلك المعترف بها بالإذن لها بالتقاضي، وكذلك توفير ما يتجاوب مع إنشاء المجلس الاستشاري الأعلى المقترح في مشروع القانون 23-13 المعروض حاليا بهدف تغيير وتتميم القانون 31-08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك (المادة 204 و205)، وإن هذا المجلس إن لم تكن له الصفة الدستورية، فيجب إدماجه بمجلس المنافسة لكي يصبح اسمه “مجلس المنافسة وحماية المستهلك”، على غرار بعض الدول المتقدمة.

وفي الختام، يبدو في تقديرنا المتواضع أن الوقت قد حان لتقييم عمل الجمعيات والتوجه إلى نموذج مغربي جديد لمسايرة كل المستجدات التي يعرفها المغرب، ومواكبة التحولات الطارئة على المجتمع، تماشيا مع مستويات الرقي والازدهار الذي نسعى إليه جميعا تحت القيادة السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وايده.

د. بوعزة خراطي