البعد التاريخي والثقافي في رواية ابن السماء للكاتب مصطفى لغتيري

2024-02-16T21:07:36+00:00
2024-02-16T21:09:48+00:00
فن وثقافة
16 فبراير 2024
البعد التاريخي والثقافي في رواية ابن السماء للكاتب مصطفى لغتيري
رابط مختصر
IMG 20240216 WA0259 - Tawasol24news

نهاد شباب

يعتبر الفن الروائي شكلا من الأشكال الفنية السردية الذي ظهر نتيجة عدة تحولات سياسية واجتماعية و ثقافية ظهرت في المجتمع . و قد انتشر هذا الفن الحكائي بشكل واسع لأنه من أنسب الفنون المعبرة عن قضايا المجتمع و رهاناته و أقدرها على إلتقاط تفاصيل الحياة اليومية و تشكيل أحداث واقعية
بأسلوب قريب من روح العصر
في هذه المرة أيضا لم يخذلني ذ.مصطفى لغتيري فهو من الكتاب الذين يحترمون شروط الكتابة الروائية و التي أهمها جمال الأسلوب وسلاسته، وتسلسل الأحداث بشكل مبسط لا ينفر القراء بالرغم من إختلاف أعمارهم .
لذا إخترت أن أجعل ضيف شرف هذا المقال روايته ابن السماء وذلك لأنها تحمل بين كلماتها البلاغية الكثير من الدلالات، فهي كتبت بأسلوب بسيط، سهل الفهم لكن عمقها التاريخي بسط بشكل غير مباشر واقع المغرب في مرحلة معينة من تاريخه، بأسلوب يطغى عليه الخيال السردي و السخرية المختزلة للأحداث التاريخية الطويلة والشائكة والمتداخلة حيث يتجاور داخل النص الروائي الاجتماعي بالثقافي بالأسطوري بالفلسفي.
اعتمد الراوي رؤية من الخلف حينا، والرؤية المصاحبة حينا آخر، فاعتماده على الرؤية من خلف مبرره الأحداث أكثر من الشخصيات الفاعلة في هذه الرحلة الدرامية التاريخية، وهي الرؤية التي وظف فيها ضمير الغائب، و قد وصف أبطال و أحداث الرواية وصفا دقيقا مكننا من الغوص في الماضي، أما الرؤية المصاحبة فكانت في بداية الرولية حين وظف الكاتب ضمير المتكلم كسارد للأحداث، وهو ما أتاح لنا المشاكرة الوجدانية قي بناء أحداث الرواية وسردها.
وقد ركزت الرواية على فترة مهم من تاريخ المغرب، تميزت بهيمنة المستعمر الفرنسي على التراب الوطني المغربي، وسن سياسات قمع وتنكيل بالوطنيين الذي رفضوا الدخيل الأجنبي، وقد كانت المجاعة و الأوبئة والجهل الديني وموت الإنسان والأنعام أهم ما ميز هذه الفترة لأن الفرنسيين سيطروا على البلاد والعباد، بعد مقاومة كبيرة في جل المناطق كشمال المغرب ووسطه وجنوبه، فبرز مقاومون خلدهم التاريخ كمحمد بن عبد الكريم الهطابؤ وموحا وحمو الزؤاني والهبة ماء العينين، ولم يتمكنوا من بسط نفوذهم على كل أجزاء المغرب المترامية الأطراف إلا بعد فترة طويلة ومجهود حربي كبير، وتعاون حثيي من بعض الخونة دفاعا عن مصالحهم الشخصية الضيقة وهو الأمر الذي اشارت له الرواية كذلك..

IMG 20240216 WA0258 - Tawasol24news
سيدي الساكت بطل الحكاية هو رجل متمرد، نحس، لا يطاوع الكاتب و لا يساعده في بناء حبكة مثالية لروايته، هو شخصية أسطورية افترضه ذ لغتيري كرجل أحياه الله مرة ثانية، لأنه قام بالكثير من المشاكل لسكان السماءالدنيا، بعد عيشه في الحياة الدنيا للمرة الثانية أصيب هذا الأخير بصدمة نفسية نتج عنها التزامه الدائم للصمت، لتتطور الأحداث في المتن ال،وائي، فنجده أصبح شخصية محترمة بين وسطه، بل وهو صاحب ضريح سيدي الساكت الذي يتبرك منه الناس و يقدمون فيه الهدايا ويذبحون فيه الأضحية .
كما ذكرت في السابق سيدي الساكت هذا هو شخصية مفترضة من قبل الكاتب الذي كان قصده الأساسي التعرية عن الواقع الاجتماعي و السياسي للبلاد . في هذه الفترة كان المغرب خلال فترة الاستعمار كان يعاني من عدة مشاكل إضافة لأزماته السياسة و الاقتصادية إلى أزمة فكرية مزرية، فقد كان الإنسان المغربي يعتبر أزمات الجفاف و الاستعمار والتفكك المتتابعة التي أحلت به عقابا الهيا ناتجا عن ضعف إيمانه و خروجه عن الصراط المستقيم، و تجذر الإشارة أيضا إلى شخصية المهدي المنتظر الذي أصبح متجذرا في الأفكار الذي طبعت في ذهن المغاربة وقد صُور كمنقد للأمة، مما جعل البعض ينتحلون صفته، وفي هذه الفترة أصبحت الزوايا تلعب دورا محوريا حيث تعاظم شأنها وأصبح الناس يتوجهون إليها و يجودون عليها بالمؤونة و الهدايا، و قد أصبحت الشرفوية شرط أساسي للمدينة بالزاوية لكن على العموم يمكن القول أن الحقل الطرقي و التصوف كان لهم دور كبير في هذه الفترة لأنهم أصبحوا ينافسون السلطة المركزية.
و مع أن الأضرحة لم تعد تشيد اليوم كما كان في السابق ، لكن ظلت ظاهرة زيارة الأضرحة والوثوق بالعرافين واستخدام طرق السحر الخبيثة لقضاء المبتغى مترسخة في ثقافة بعض الفئات من المجتمع إلى حد الآن .