من يطالع بيان الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، حول اعتقال نقيب جهتها بمدينة مكناس، يخرج بقناعة راسخة ويقينية مؤداها أن محمد عبادي ومن معه من دهاقنة “توليفة الدين في السياسة” إنما يسرفون في تعطيل أحكام ربانية سماوية وتجميد مقتضيات قانونية وضعية.
فبيان “الانتصار للفاحشة” الذي عمّمته جماعة العدل والإحسان يجعلها في حكم من قال فيهم الحق سبحانه وتعالى، في محكم كتابه الكريم: “إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون”.
كما أن هذا البيان الذي صِيغَ بنبرة “متواطئة مع الفاحشة ومتعالية على القانون” يمعن في تجميد مقتضيات التشريع الوطني، خصوصا الفصول 490 وما يليها من القانون الجنائي المغربي. وكأن أتباع الجماعة لا يخضعون للقانون الذي يسري على جميع المغاربة والأجانب المقيمين، وكأنهم أيضا يتمتعون بحصانة “عدلاوية” أو “امتياز استثنائي” ضد المتابعات القضائية في الجرائم الأخلاقية وقضايا الفساد.
ولعلّ أكثر ما يسترعي الانتباه في هذا البيان “الـمُشيع للفاحشة”، هو أن جماعة العدل والإحسان ناصرت نقيب جهتها بمدينة مكناس من باب الغيب والتنجيم والتكهن! إذ استبقت الأمانة العامة للدائرة السياسية للجماعة مجريات البحث القضائي وتكهنت جازمة بأن “ملف المتابعة فارغ”.
فكيف علمت الجماعة أن هذا “الملف فارغ”، وهي تدرك بأن البحث التمهيدي لازال مشمولا بالسرية بموجب المادة 15 من قانون المسطرة الجنائية؟ فهل اطلعت جماعة العدل والإحسان على محاضر الضابطة القضائية حتى تجزم بفراغ الملف؟ مع العلم أن هذه المسألة تبقى مستبعدة ومستحيلة بحكم القانون.
وحتى إن افترضنا جدلا أنه تم الترخيص بحضور محامي في مرحلة البحث التمهيدي إلى جانب المشتبه فيه، فإنه لا يستنفذ هذا الحق إلا في حالة تمديد الحراسة النظرية، وحتى في هذه الحالة الأخيرة فإن المحامي المرخص له لا يطلع على المحاضر، ولا يستطيع أن يكشف عن فحوى اتصاله مع الموقوف تحت طائلة جزاءات القانون.
وتأسيسا على هذه الأحكام القانونية، يظهر جليا بأن سدنة العدل والإحسان ينطلقون من إرادة مسبقة تتمثل في الإصرار على “تطهير سمعة الجماعة التي دنسها نقيب الجهة بمدينة مكناس”. فجزمهم بأن “ملف المتابعة فارغ” وهم لم يطلعوا بعد على المحاضر والتصريحات والمحجوزات وأقوال الشريكة في الخيانة الزوجية، يعني شيئان لا ثالث لهما: إما أنهم يستقرؤون الغيب، وهذا مستحيل لأن الغيب لا يعلمه إلا الله، أو أنهم يحاولون تبرئة المتهم بشكل مبدئي بصرف النظر عما ارتكبته غريزته الجامحة، وهذا هو الراجح.
ولم تكتف جماعة العدل والإحسان برجم السلطات بالغيب في هذا الملف، وإنما تجاسرت كذلك على حق الصحافة في النشر وحاولت تلجيم حريتها في التعليق والتعبير! فالجماعة التي تدعي “الطهرانية” وتحاول عبثا تقديم بعض “أزلامها كفاعلين حقوقيين”، هي أول من يزدري حرية الصحافة ويتطاول على المواقع الإخبارية التي وصفتها “بالأبواق المخزنية المتخصصة في التشويه والافتراء على أعراض الناس”.
وهنا نسأل الشيخ الكبير في السن محمد عبادي ومن معه، من الذي نشر اسم عضو جماعة العدل والإحسان المشتبه به في قضية الخيانة الزوجية بمكناس؟ أليس الأمانة العامة للدائرة السياسية للجماعة هي من فعلت ذلك؟ ومن نشر صورة وهوية وصفة المشتبه فيه؟ أليس جماعة العدل والإحسان من أمعنت في ذلك في بيانين منشورين في صفحاتها الرسمية؟
وبمفهوم المخالفة، هل اطلع محمد عبادي ومن معه على مقال صحفي واحد يستعرض صورة المشتبه فيه أو هويته؟ وهل قرأ في أي منبر إعلامي مغربي إشارة، ولو بسيطة، إلى هوية الموقوف أو صفته المهنية؟ الجواب بالنفي. فلماذا تصر جماعة العدل والإحسان على مهاجمة الصحافة بشيء لم تفعله، بينما هي من أسرفت في ارتكاب التشهير بشكل ممنهج؟
وفي سياق هذا الحديث، سوف لن نحاكي ولن نجاري جماعة العدل والإحسان في “مظلوميتها الكاذبة”، إذ لن نطالب المجلس الوطني للصحافة ولا النقابة الوطنية للصحافة المغربية ولا فيدرالية الناشرين… بأن يردوا على تطاول جماعة العدل والإحسان على الصحافيين، وذلك لسبب بسيط يترجمه هذا البيت الشعري ” من هان جاز الهوان عليه .. ما لجرح بميت إيلام”.
والجماعة التي تقبل بإشاعة الفاحشة، وتمعن في الدفاع عن مرتكبيها كلما غرروا بالمطلقات والأيامى والنساء الثكلى، بل وتوفر لهم المسوغات والمبررات غير الشرعية من باب “القوادة”، إنما هي جماعة هانت وتقبل الهوان على نفسها، وقد دخلت مرحلة الموت السريري، حتى أن الجرح الذي يصيبها لا يمكن أن يسبب لها الألم.
ومن سخرية جماعة العدل والإحسان حقا، أنها تستبيح لنفسها أن تنهض بدور “الوساطة في الفجور وتسهيل البغاء”! فأن تنتصر الجماعة لشخص مشتبه به في قضية خيانة زوجية، وتطالب بالإفراج عنه مكلّلا بهتافات الإخوان وأناشيد رشيد غلام، فكأنما هي “قوّادة” تشتغل في “الديور الفوقانيات” أو في “درب الضباب”، لكن مع اختلاف وحيد، هو أن “قِوَادة” جماعة العدل والإحسان تحظى بمباركة و”رِضاب” محمد عبادي ومن معه حتى يلقون الله بقلب غير سليم.