مصطفى لغتيري
سأنطلق من مسلمة مفادها أن لا أحد يسعى إلى أن يكون سلبيا تجاه ذاته وتجاه الناس الذين يحيطون به، وأن من يتصفون بالسلبية غالبا ما يكون ذلك أمرا قسريا، يتجاوز إرادتهم وقدرتهم على التحكم في تصرفاتهم، نتيجة لاختلالات نفسية معينة، حدثت بفعل تراكمات معينة، وأدت إلى هذه النتيجة.
لذا فالسلبيون يعانون باستمرار من تأنيب الضمير، الذي قد يؤدي بهم إلى الاكتئاب إذا ما احتدت الحالة السلبية لديهم ، لتصبح سوداوية مزمنة، تضر بهم، وبمن حولهم ثانيا.
ولا يخفى على أحد أن أي شخص منا يطمح لأن يكون إيجابيا، لكنه يعجز عن إيجاد الطريقة المناسبة لفعل ذلك، فلا أحد يجهل –مثلا- الحكمة التي تدعونا إلى تسليط أنظارنا على النصف الممتلئ من الكأس، وأن نغض الطرف عن النصف الفارغ، بما يعني الدعوة إلى التفاؤل والإيجابية، ومن الأمثلة المؤثرة التي قرأت عنها يوما هي ذلك المثال، الذي يضرب للشخص بالورقة النقدية عالية القيمة، التي مهما اتسخت أو تكرمشت أو علاها البلى، فإنها لا تفقد قيمتها، والسبب ببساطة يتمثل في أن قيمتها في ذاتها، وغير مرتبطة بتكالب الظروف عليها.. هذه الحكاية قد تفيد الناس كثيرا في التعامل بإيجابية مع أنفسهم، خاصة خلال المحن، فمهما يحدث فلا تنس أبدا أنك تلك الورقة النقدية عالية القيمة، التي تظل قيمتها ثابتة مهما تمر عليها من ظروف صعبة.
لكي تكون إيجابيا لزاما أن تتوفر على تقنية معينة لمواجهة المحن ومطبات الحياة، التي لا ينجو منها أحد، ومن هذه التقنيات مثلا أن تحدث نفسك دوما بأنك شخص جيد، فالأمر من حيث العمق لا يتجاوز حالة نفسية قد تتغير بالكلام الجميل، فحين يتلقى أي شخص-مثلا- التشجيع والاستحسان من طرف الغير، فإن حالته النفسية تتحسن ويصبح سعيدا وإيجابيا، والعكس صحيح كذلك، فحين يتلقى شخص ما انتقادا مستمرا بالتركيز على عيوبه، فإنه سرعان ما يصاب بالإحباط ويصبح بالتالي عرضة للسلبية. وقد اثبتت الأبحات العلمية النفسية أن عقلنا الظاهر والباطن سرعان ما ينخدعان إذا ما رددت عليهما باستمرار عبارة تفيد بأنك إنسان راض عن نفسك وتتمتع بروح إيجابية، إذ سرعان ما تنفرج غمة النفس وترتسم البسمة على الشفاه. فلم لا نقوم بذلك؟.
أن تكون إيجابيا معناه أن تتعامل مع أخطائك بكثير من التسامح، وتعتبرها فرصة للتعلم وللانطلاق من جديد نحو النجاح، دون مبالغة في لوم الذات وتقريعها.
أن تكون إيجابيا معناه أن لا تتردد في تقديم المساعدة إلى الغير دون أن تنتظر مقابلا لذلك، فيكفيك الإحساس الذي تشعر به حين تقوم بذلك، وهو بالتأكيد إحساس يرفع من تقديرك لذاتك.
أن تكون إيجابيا معناه أن تتجنب الإحساس بأنك مستهدف من طرف الجميع، وأنك محط غيرة وحسد، وأن الجميع يخطط لإيذائك، فأغلب الناس منشغلون بهمومهم الخاصة، وليس لديهم الوقت الكافي للاهتمام بهموم الآخرين.
أن تكون إيجابيا معناه أن تتجنب الإحساس الواهم بالقهر، وبأنك وحدك في هذا العالم ضحية للمشاكل والهموم والأحزان، ولتعلم أن الناس في ذلك سواء، فقط يختلفون في طريقة تعاطيهم مع مشاكلهم وهمومهم، فهناك من يحتويها وهناك من تحتويه وتسيطر عليه ، حتى تصبح المنظار الذي يطل به على العالم من حوله.
أن تكون إيجابيا معناه أن لا تخشى المستقبل، وتركن –بالمقابل- إلى الماضي تجتر إنجازاته، لكن عليك أن تعمل بجد لكي يكون المستقبل حليفك لا ضدك، وليس ذلك بعزيز على شخص يمتلك الإرادة والعزم على تحقيق النجاح.
أن تكون إيجابيا معناه أن تتحلى بروح المبادرة، دون خوف من الفشل، وأن تعتبر هذا الأخير أقصد الفشل مجرد تجربة تضاف إلى رصيدك في الحياة وتغني خبرتك فيها.
وزبدة القول، بالإيجابية نعيش بشكل أفضل ونسعد الناس الذين يحيطون بنا ونكون نافعين لأنفسنا ولمجتمعنا و للإنسانية جمعاء.