– الطرفة الأولى:
من الطرائف التي حصلت لي في مرحلة الابتدائي ، أن الأستاذ “ب” رحمه الله سألني عن اسمي العائلي، فبدل من أن أقول له اسمي اليملاحي، قلت له الهاشمي تيمنا باسم جدي من جهة الأم . لقد تعلقت بجدي من خلال مرويات والدتي عن سيرته الذاتية والذهنية مازال مشهد ذلك اليوم مطبوعا في ذاكرتي من دون أن أنساه وقدماي تطأ فصل القسم الأول بمدرسة سيدي أبو أحمد ( القصرالكبير ). ومنذ ذلك اليوم أصبح التلميذ اليملاحي هو الهاشمي في حسابات اليملاحي. لقد كذب الشاعر جميل بن معمر حينما قال:
“وشتان مابين الكواكب والبدر”.
الآن وأنا أتأمل هذا المشهد الطفولي، أجدني أتساءل:
-كيف تنازلت عن هويتي العائلية بهذه البساطة، وبالتالي من الذي أوحى لي بهذه الفكرة؟
في سياق الشغب الذي كان يصدر عني تجاه القسم والمدرسة وحتى تلاميذ المؤسسة ، قرر الأستاذ استدعاء والدي لإخباره بهذا الأمر واتخاذ المعين. وذات شتاء بارد، حل والدي بالمدرسة، ومن ثم بالقسم الأول الذي يوجد في الطابق العلوي من المؤسسة. وبعد تقديم نفسه للأستاذ ، أخبره بأنه ولي أمر التلميذ اليملاحي، فكم كانت المفاجأة حينما أخبر الأستاذ والدي بأن هذا الاسم غير مدرج في لائحة تلاميذ القسم الأول. ولقطع الشك باليقين، تفضل والدي ، وبعد أن توغل داخل القسم متفرسا وجوه التلاميذ واحدا واحدا، وجدني مرابطا في أقصى الصف الأخير المقابل لمكتب الأستاذ. وبعد ذلك، سألني الأستاذ “ب” مرة أخرى عن اسمي العائلي، لكن هذه المرة بغضب شديد يختلف عن المرة السابقة، ومن دون أعير الاعتبار لكل العواقب، قلت بأني الهاشمي ، فابتسم والدي وقال لي بأن اسم العائلي هو اليملاحي . ومنذ ذلك اليوم وأنا أحفظ اسمي العائلي عن ظهر قلب وأفتخر به . لكن، على الرغم من كل ما حصل، فملامح التلميذ الهاشمي ما تزال عالقة في ذاكرتي كلما تذكرت الأيام الأولى لبداية دراستي في القسم الأول، هكذا أخلد هذا التلميذ الوهمي – الذي لاوجود له إلا في ذهني – الذي لم يكن يجيد الوقوف بين الأسماء بحكم حداثة سنه ودهشته الأولى وهو يلج لأول مرة عالم المدرسة مثلما كنت أخلد الفقيه والعلامة جدي الذي لم يكتب لي أن أراه حتى أسرد عليه هذه الحكاية المستوحاة من عالم الطفولة والمدرسة.
– الطرفة الثانية:
لم أكن أحب مادة الشكل، عكس مادة الإنشاء التي تستهويني و تتيح لي التعبير عن أحلامي وعن العالم كما أراه وانا ما أزال في حداثة سني. كان الأستاذ “م “رحمه الله يدرسنا مادة الشكل صباح كل يوم خميس. ومنذ ذلك اليوم أصبح الخميس يرتبط عندي بمادة الشكل ومادة الشكل ترتبط عندي بالخميس.لم نكن نحن التلاميذ نجيد الشكل أو على الأقل البعض منا، طالما أننا لم نحفظ قواعد النحو والصرف، ربما لصعوبة القاعدتين ونحن الذين كنا نسعى إلى اكتشاف العالم من خلال اللعب وإبراز ذواتنا عبر الشغب. وخوفا من عقاب الأستاذ كنت بين الفينة والأخرى أتغيب عن الحصة أسوة ببعض التلاميذ.، لكن لم يكن يدور في خلدنا أن السيد الأستاذ سيحتفظ لكل واحد منا بنصيبه من الشكل، وهذا النصيب قد يكون من حيث التكوين ثناء أو توبيخا، و التوبيخ عندي أفضل من العقاب- وما أدراك ماالعقاب – الذي كان سائدا في مرحلة الستينيات …
الآن، وبعد كل هذه السنوات التي طواها الزمن، فهمت معنى كفايات قواعد النحو والصرف، وأن هذه الكفايات هي الضامن الأنجع لتواصل أفضل.