عبدالرحيم طالبة صقلي
لم يعد مشهد الاعتداء على الأساتذة مجرد حالات معزولة أو استثناءات نادرة، بل صار يتكرر بوتيرة مقلقة، حتى بات العنف الموجه ضد رجال ونساء التعليم ظاهرة تستدعي الوقوف الجاد والدراسة العميقة. خلف كل حادثة دموع وألم وصمت ثقيل يلف المدرسة، التي أصبحت في كثير من الأحيان فضاءً مشحونًا بالتوتر بدل أن تكون حاضنة للقيم والتربية.
إن تكرار حالات العنف ضد الأساتذة، سواء داخل المؤسسات التعليمية أو خارجها، يعكس اختلالًا عميقًا في منظومة القيم والتنشئة، كما يكشف هشاشة العلاقة بين المتعلم والمدرس، وتحولها في أحيان كثيرة من علاقة احترام وتقدير إلى علاقة صراع ورفض. وهذا التحول الخطير يثير تساؤلات جوهرية حول مكانة الأستاذ داخل المجتمع، ومدى حماية الدولة له قانونيًا ومؤسساتيًا.
الأستاذ الذي كان يُنظر إليه باعتباره صانع الأجيال، وركيزة التغيير الاجتماعي، يجد نفسه اليوم في موقع الهشاشة، معرضًا للتهديد في جسده وكرامته ومكانته الرمزية. وهذا لا يعكس فقط أزمة تعليم والوزارة الوصية، بل أيضًا أزمة مجتمع، في تعامله مع رموزه ومرجعياته التربوية.
إن ما يفاقم هذا الوضع هو غياب آليات الردع الكافية، وتراخي بعض الأسر في تحمل دورها التربوي، فضلًا عن التأثير السلبي لوسائل الإعلام المرئية و المسموعة والمكتوبة،ووسائط التواصل التي أصبحت تكرّس في بعض الأحيان صورة سلبية عن رجل التعليم، بدل الإسهام في إعادة الاعتبار له.
لمواجهة هذه الظاهرة، لا يكفي سن قوانين زجرية فقط، بل يجب إعادة بناء العلاقة التربوية على أسس الثقة والاحترام المتبادل، وإشراك الأسرة في العملية التربوية، وخلق بيئة مدرسية آمنة، تحترم فيها الحقوق وتؤدى فيها الواجبات. كما أن من الضروري إطلاق حملات توعية تستهدف المتعلمين والمجتمع بأسره، من أجل استعادة هيبة المدرسة وهيبة الأستاذ، لأن المساس بهما هو مساس بمستقبل الوطن.
إن العنف ضد الأساتذة ليس مجرد فعل إجرامي عابر، بل هو مؤشر على أزمة قيم، وتحدٍّ مجتمعي يستوجب التحرك العاجل، حمايةً لمن تبقى من رموز المعرفة والتنوير في هذا الزمن الصعب.
وفي ظل هذا الواقع المؤلم، يبقى السؤال معلقًا في ضمير كل مواطن غيور: أي مستقبل نرجوه لأبنائنا إذا ما أصبح معلموهم عرضة للعنف والمهانة؟ كيف نطمئن على أجيالنا القادمة إذا كانت اليد التي تُربي وتُعلّم تُقابل بالعدوان بدل التقدير؟ إن صمتنا تجاه هذه الظاهرة ليس حيادًا، بل تواطؤ قاتل مع الانحدار القيمي. فلنعد الاعتبار للأستاذ، لا لأنه مجرد موظف، بل لأنه حجر الزاوية في بناء الإنسان. فبدونه، لا علم، ولا وعي، ولا وطن.