عبد الله الوقيفي:
مسرحية “أحمر” (Red) هي عمل مسرحي متميز أنتجه مجموعة من طلاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحميدية، تحت إشراف الدكتور أحمد توبة والدكتورة أمل بنويس، وإخراج الطالب المتميز في ماستر درسات مسرحية زكرياء زهيد وتشخيص الطلبة أمين الفينص وأحمد العلوي، حيث عرضت على ركح مدرج فاطمة الفهرية. تقدم المسرحية رؤية عميقة لواقع الشباب المهمش، تعكس معاناتهم من التهميش والفقر والاضطرابات النفسية عبر استعارة فنية قوية تجسد الحياة كسجن، والذات كسجن وكسجين في نفس الوقت، سجين ضائع بين تناقضات الوجود.
سجن الوجود وتشظي الهوية
تدور أحداث المسرحية حول شخصية رئيسية تعاني من انفصام الشخصية (الشيزوفرانيا)، حيث يجسد الممثل شخصيتين في جسد واحد، تعيشان في صراع دائم. فالبطل لا يعرف نفسه في المرآة، إذ تشتت هويته بين وجوه متعددة صنعتها الظروف، ففقد وجهه الحقيقي.
– الحياة كسجن: ترمز المسرحية إلى الوجود الإنساني باعتباره زنزانة ضيقة، حيث يرتدي السجين لباساً أحمر، ويحيط به مربع أحمر، وكأنه يعيش داخل كفن دائم. هذا اللون الأحمر قد يرمز إلى الدم، العنف، الثورة، أو حتى الحب المفقود، مما يعمق إحساسه بالعجز.
– الأحلام التي تتحول إلى كوابيس: كان للبطل أحلام بسيطة -أن يصبح فناناً، أستاذاً، أو طبيباً نفسياً – لكنها تحولت إلى كوابيس تحت وطأة الواقع القاسي. فالحكم عليه لم يكن من محكمة عادلة، بل من “محكمة الظروف القهرية” التي خففت عقوبته من “السجن المؤبد إلى المؤبد السجن” في سخرية مريرة من تلاعب الأنظمة بالكلمات. ثم يتطور الحكم ليصبح “الإعدام شنقاً بالأحلام”، وكأن أحلامه نفسها أصبحت حبل المشنقة.
– التناقض الوجودي: يعيش البطل في تناقض صارخ – يسمع وهو أصم، يرى وهو أعمى، ويتكلم وهو أبكم – في إشارة إلى العجز عن التواصل مع العالم رغم وجوده فيه.
السياق الاجتماعي والنفسي
المسرحية تقدم نقداً لاذعاً لواقع الشباب العربي المكبوت، الذي يعاني من:
1. التهميش الاقتصادي والاجتماعي، حيث الفقر يحول دون تحقيق الأحلام.
2. القمع النفسي، حيث يصبح الفرد سجين ذاته، عاجزاً عن التعبير أو التغيير.
3. الضياع الهوياتي، في عالم يفرض على الإنسان أدواراً مزيفة تفقده أصالته. أمام عولمة زائفة وفرنكوفونية متعجرفة،
التأثيرات الأدبية والفنية
يذكرنا العمل ببعض الأعمال الفكرية المشابهة، مثل:
– فيلم “الحاكم العام لجزيرة شكربكربن” (إخراج نبيل الحلو)، الذي يتناول فساد السلطة وقمع الحريات.
– رواية “أرض النفاق” ليوسف السباعي، التي تعكس الازدواجية الاجتماعية في عالم مليء بالتناقضات.
الخاتمة: هل هناك مخرج؟
مسرحية “أحمر” لا تقدم حلاً، بل تترك السؤال مفتوحاً: هل يمكن للبطل أن يحرر نفسه من سجن الذات؟ أم أن مصيره سيبقى “شنقاً بالأحلام”؟
هذا العمل المسرحي يعد صرخة فنية تعبر عن جيل يعاني في صمت، ويستحق أن يُنظر إليه ليس فقط كعرض مسرحي، بل كوثيقة اجتماعية ونفسية تكرس صوت المهمشين.

كلمة شكر:
نتوجه بالشكر الجزيل لكل القائمين على هذا العمل، من طلاب ومشرفين، الذين قدموا رؤية جريئة تخلق حواراً حول قضايا الشباب والهوية في عالم متغير. وعلى رأسهم الدكتور أحمد توبة والدكتورة أمل بنويس والمخرج زكريا زهيد والطلبة أمين الفينص وأحمد العلوي، وزكرياء ركيب، عبد الرحمن العربي، محمد مناجي، الزهراء الهيزور، مروة أعالة، أسامة زوهار، يوسف الصابيح، رشيدة أحنيني، ومحمد الزايدي،
