اباحو اسامة
تستعد مدينة مكناس لاستقبال حدث مسرحي مميز يجمع بين فن الملحون العريق وأبي الفنون، المسرح، في عرض بعنوان “الملحون في حضرة أبي الفنون”. هذا العمل، الذي تقدمه جمعية الحي لفنون المسرح يوم السبت 22 فبراير 2025 بقاعة دار الشباب محمد الخامس بحمرية، يهدف إلى بعث الروح في قصائد الملحون من خلال رؤية مسرحية مبتكرة، تجعل هذا التراث جزءًا من المشهد الدرامي الحي.

مسرحية “الملحون في حضرة أبي الفنون” تأتي لسد هذه الفجوة، حيث تجعل من الملحون ليس مجرد نصوص مغناة، بل مادة حية تتفاعل مع الركح، عبر تجسيد الشخصيات والأحداث في قالب درامي مشوق. فهنا، لا يُلقى الشعر من منصة غنائية، بل يصبح جزءًا من لغة المسرح، تنطقه الشخصيات، ويتحول إلى مشاهد تعبيرية تجسد عمق القصيدة وروحها.
ما يميز هذا العرض هو المزج المتقن بين الأداء التمثيلي، بقيادة المخرج مصطفى كمان، والموسيقى التي أبدعها جهاد فقير، والسينوغرافيا التي صممتها غزلان يعلاتن. فمن خلال ديكور مستوحى من فضاءات الملحون التقليدية، وإضاءة تسلط الضوء على أجواء الحكي والشعر، تتكامل عناصر المسرحية لتقدم تجربة غنية ومتعددة الأبعاد.
كما أن الأداء القوي لمجموعة من الممثلين، من بينهم مصطفى كمان، كوتر جبيري، فيصل مشهور، إبراهيم الشعري، نعمة بايزيد، توفيق راشد، المهدي القودسي، وزهراء البركة، يضفي على العمل طاقة درامية تجعل قصائد الملحون تنبض بالحياة. فهؤلاء المبدعون لا يكتفون بتقديم نصوص شعرية، بل يجسدونها بحركاتهم وانفعالاتهم، مما يخلق تفاعلًا حيًا بين الجمهور والمشهد المسرحي.
إلى جانب كونه احتفاءً بفن الملحون، يسعى هذا العمل إلى إبراز قدرته على التكيف مع المسرح الحديث، مما يجعله أقرب إلى الجمهور، خاصة الأجيال الجديدة التي قد لا تكون على دراية واسعة بهذا الفن. فالمسرحية تقدم قصائد الملحون في سياق درامي يحاكي الواقع، ويطرح قضايا إنسانية واجتماعية بأسلوب يمزج بين جمال اللغة الشعرية وقوة الأداء المسرحي.
إن “الملحون في حضرة أبي الفنون” ليس مجرد عرض مسرحي، بل هو رحلة ثقافية تعيد إحياء جزء من الذاكرة المغربية، وتؤكد أن هذا التراث لا يزال قادرًا على مخاطبة الحاضر بأساليب جديدة. فهو لقاء بين الماضي والحاضر، بين الكلمة والصورة، وبين المسرح والشعر، في تجربة فريدة تستحق المشاهدة والتفاعل معها.
فحضوركم لهذا العرض ليس فقط دعماً للفن والمسرح، بل هو أيضًا مشاركة في الحفاظ على أحد أروع أشكال الإبداع المغربي، ودعوة لاستكشاف جماليات الملحون بعيون جديدة، حيث يصبح الشعر مسرحًا، والمسرح غناءً، والملحون حياةً تنبض فوق الخشبة.






