أجرت الحوار : ليلى حراتي
محمد العوني، قيادي في الحزب الاشتراكي الموحد، سبق أن شغل موقعا في المكتب السياسي للحزب لعدة ولايات ، وانسحب في 2018 من تشكيلة المكتب السياسي ليفسح المجال ليعوضه احد شباب الحزب . ناشط حقوقي ، سبق له أن كان منسقا للمجلس الوطني لدعم حركة 20 فبراير وقبل ذلك وبعده تولى عدة مهام لتجميع اليساريين والديمقراطيين حول الفعل المجتمعي والسياسي من أجل الانتقال إلى الديمقراطية . وهو بذلك ليس مجرد قيادي حزبي، بل صوت سياسي متوازن ينظر إلى الواقع المغربي بعين تحليلية متعمقة ويعتمد مقاربة طويلة النفس. منذ كان آخر كاتب عام لحركة الشبيبة الديمقراطية ـ حشد قبل أن تتحول الى حشدت بعد الاندماج اليساري سنة 2002 ، ركّز العوني على دراسة التحديات الكبرى التي تواجه المجتمع المغربي، من الفساد وضعف الثقة في المؤسسات، إلى أزمة الإعلام والديناميات الشبابية في الساحات العامة. بخبرته الطويلة وخلال اشتغاله كصحافي ثم أستاذ للإعلام والتواصل وكخبير في المجال ، وكرئيس لمنظمة حريات الإعلام والتعبير (حاتم)، يمتلك العوني رؤية واضحة حول كيفية تحقيق التوازن بين النقد السياسي والانخراط في الإصلاح البنّاء.
س: كيف تقيم الوضع السياسي الحالي في المغرب بصفتكم قياديا لأحد أعرق الأحزاب اليسارية؟
العوني: يشهد الحقل السياسي المغربي ديناميات متداخلة مما يجعل الوضع معقدا في بعض جوانبه. يتأثر الحقل السياسي بدون شك بالتحولات الاجتماعية والثقافية وبالضغوط الاقتصادية، بينما يظل التفاعل مع تلك التحولات من قبل السلطات بطيئا وأحيانا متكلسا لا يمكن من لوج عتبة التغيير المطلوب. وبذلك تصبح ما تسمى ب”جهود إصلاح مؤسسات الدولة” بدون نتائج تقريبا، لأنها غالباً ما تكون شكلية، وفي أحسن الأحول جزئية جدا. في المقابل، تجتاح المجتمع حاجة حقيقية للتغيير ويتصاعد الوعي المدني بذلك، خصوصاً بين الشباب، ما يفرض على المسؤولين السياسيين الاستجابة بجدية أكبر للمطالب الشعبية، بدءً من تبني مقاربات جديدة في التعامل مع تلك المطالب.
س: هل تعتقد أن المؤسسات تواجه أزمة ثقة؟
العوني: بالتأكيد. أزمة الثقة ليست شعوراً عابراً، بل نتيجة تراكمات طويلة من سياسات تعتمد العنف الرمزي والمادي ضد كل من ينتقدها ولاسيما من يقدم بدائل حقيقية للاختلالات، وتتفادى الحد الأدنى من الشفافية وبالتالي تكرس عدم الاستجابة الكافية لمطالب المواطنين. هذا يجعل الحوار بين الدولة والمجتمع حاجة ماسة، وأكثر أهمية من أي وقت مضى.
س: كيف يرى حزبكم أزمة الثقة التي تواجه الأحزاب المغربية؟
العوني: أولا، لا يمكن وضع جميع الأحزاب المغربية في سلة واحدة وتحت نفس العنوان، فما أشرت له سابقا من عنف يستهدف المعارضين، فهو يطال المناضلين والأحزاب و الجمعيات والنقابات، هناك أحزاب تناضل يوميا من أجل الانتقال الديمقراطي ، وتواجه الاختلالات الكبرى . وهناك أحزاب تشكل امتدادات للسلطات واختياراتها … وعلى العموم هناك عالميا تحولات في العمل الحزبي حتى في البلدان التي استقرت بها الديمقراطية التمثيلية، وبدأ فيها السعي لتعزيز التمثيلية ببناء ديمقراطية تشاركية. والسبب الرئيسي في هذا الوضع هو تغول الرأسمال الذي أصبح يشتري كل شيء حتى السياسة. والتحولات تفرض على الأحزاب الديمقراطية ـ على الخصوص ـ مراجعة أحوالها واستلهام وسائل وأدوات جديدة بما في ذلك التخلي عن الخطابات التقليدية التي أصبحت متجاوزة. وأضحى الانخراط اليومي في قضايا المواطنين، واعتماد الشفافية والنجاعة، معياراً أساسياً لتقييم مصداقية أي حزب. إلا أن الأهم بالنسبة لبلادنا هو سلامة التباري السياسي عبر فصل حقيقي للسلط، يجعل العملية الانتخابية أداة للتقييم والمساءلة وليس اختيار “للممثلين” فقط ….
س: وهل اتخذ حزبكم خطوات عملية لتعزيز هذه الثقة؟
العوني: أجل ، من خلال الانفتاح على الشباب و النساء والحركات الاجتماعية، والمشاركة في النقاشات العامة مع الحفاظ على موقف مستقل ونقدي لكنه بناء.
س: ما تقييمكم لجهود محاربة الفساد في المغرب، وما دور المجتمع المدني في ذلك؟
العوني: الفساد بنيوي في المغرب. مما يقتضي حلولا جذرية ترسخ آليات فعالة للمحاسبة والشفافية والمساءلة. دون ذلك ستبقى الخطوات الحكومية شكلية، لأنها بحاجة إلى إرادة سياسية تؤطر استراتيجية وطنية حقيقية تمكن مختلف الأطراف المجتمعية والقضائية وغيرها من تفعيل المحاسبة على أرض الواقع وفي مختلف المجالات…
وللمجتمع المدني، وخصوصاً الشباب والناشطون، في محاربة الفساد أدوار أساسية، وليس دورا. بداية برصد
مختلف أشكال الفساد التي تتراوح بين النهب والاحتكار والنصب والرشوة واستعمال النفوذ وتضارب المصالح … وغيرها إلى أن تصل إلى التجاوزات المحاسباتية، ثم تسهيل مأمورية المواطنات والمواطنين المتضررين و المشتكين من تلك الانتهاكات والاختلالات، فالترافع من أجل القضايا الكبرى التي تهم الفساد ؛ قبل الوصول الى المساءلة بما فيها المساءلة المجتمعية التي نشتغل عليها كمنظمة حريات الإعلام والتعبيرـ حاتم ؛ والانتصاب من أجل المحاكمة العادلة وغير البطيئة للمسؤولين المشتبه في تورطهم بالفساد ،وعليه ينبغي فتح المجال بمختلف الوسائل و الآليات أمام مكونات المجتمع تنظيمات ومواطنين ليكونوا فعالين في مواجهة الفساد الذي يحتاج إلى حرب حقيقة تتظافر ضمنها جهود الأنقياء من داخل الدولة والمناضلين والمواطنين من المجتمع.
س: كيف تقيم وضع الإعلام في المغرب اليوم، وما علاقته بالحركات الشبابية مثل «جيل زيد 212»؟
العوني: الإعلام يحتاج لمزيد من الحرية والمهنية والاستقلالية والتعددية. دوره لا يقتصر على نقل الأخبار، بل تحفيز النقاش العمومي بشكل مسؤول أمام مختلف توجهات الراي العام . والإعلام الرقمي، على وجه الخصوص، ساهم في تمكين الشباب من تنظيم أنفسهم، نشر مطالبهم، وإيصال صوتهم، مؤكداً أهمية التواصل في الفعل السياسي الحديث.
س: كيف ترى حركة «جيل زيد 212» ومطالبها؟
العوني: حركة «جيل زيد 212» مثال واضح على دينامية وحيوية الشباب المغربي. بدأت بمطالب محددة في التعليم والصحة ومكافحة الفساد، ثم توسعت لتشمل شعارات أوسع مرتبطة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، مستلهمة بعض ممارسات حركة 20 فبراير، وارتبطت بحراك مجتمعي من أجل خدمات صحية ذات جودة، انطلقت من أكادير … لكنها أحسنت استخدام وسائل التواصل الرقمي التي تجيدها وتكيفت مع الواقع المغربي الحالي…
س: وما دور الحزب الاشتراكي الموحد تجاه هذه الحركة؟
العوني: وقف الحزب إلى جانب هذه المبادرة منذ البداية، ورافق الحراك سياسياً واجتماعياً، بما في ذلك مشاركة برلمانية الحزب نبيلة منيب وأمينه العام جمال العسري وأعضاء قياديين به مع الشباب في فعاليات محددة لدعم حرية التعبير والمشاركة السياسية. هدفنا هو دعم النضال الشبابي الحر والمبدع وفتح حوار بناء مع هذه الحركة كما سبق وقمنا به مع حركة 20 فبراير ومع حراك الريف، بعيدا عن التفاعل العاطفي وحده.
س: ما تقييمكم لآليات الحكومة في الاستجابة لمطالب المواطنين؟
العوني: الحكومة بعيدة عن التفاعل الإيجابي والسريع الكفيل بتفادي الاحتقان واشتعال الأوضاع، المطلوب منها تحمل مسؤولياتها كاملة، على الأقل في مستوى ما يفرضه عليها الدستور ، والاستجابة الفورية لمطالب الشباب عبر استراتيجيات واضحة لإصلاح التعليم والصحة ومكافحة الفساد، مع إشراك الشباب والمجتمع المدني في جميع مراحل البلورة والتفعيل.
س: كيف ترى مستقبل اليسار المغربي؟
العوني: مستقبل اليسار مرتبط بقدراته على الانفتاح على المجتمع والعمل المشترك بين مكوناته، والانخراط في حركية المجتمع والتفاعل العضوي مع الحركات الاجتماعية وحيوية الشباب، وإعادة بناء الثقة مع المواطنين وفيما بينهم. وإذا نجحنا في الجمع بين الفكر السياسي التقدمي والعمل الميداني المتعدد الجبهات، سيظل اليسار قوة فاعلة.
س: وفي الختام، ما رسالتك للشباب المغربي؟
العوني: المستقبل بين أيديكم. المشاركة السياسية تمر عبر عدة مسارات ومنها الفعل الحزبي، وبإمكانكم كشباب تطوير الممارسة المواطنة اليومية من أجل ربط الإصلاحات بالتغيير والحركات بالانتقال للديمقراطية وتخصيب الحوار وتحفيز النقاش العمومي، في سياق تقوية المواطنة الفاعلة، وتنمية المطالبة بالحقوق وربطها بالواجبات وبالتزامات مفتوحة على المستقبل وتثق في قدرات المجتمع؛ كلها أدوات لقيادة التغيير وفتح طريق الانتقال الديمقراطي وبناء الثقة في المؤسسات.
بهذا الحوار، يقدم محمد العوني نموذجا للسياسي المتوازن، مؤكداً أن السياسة مسؤولية جماعية وليست مجرد لعبة سلطوية، وأن التغيير يبدأ بالممارسة اليومية للمواطنين.
