ليلى حراتي
في عرض مسرحي مفعم بالإحساس والرمزية، تقدّم فرقة حركة الطفولة الشعبية، مسرحية «ما وراء الصمت» على خشبة دار الشباب سيدي، مساء السبت 31 ماي 2025، أمام جمهور متعطش للفن الراقي والمعبر عن قضايا الطفولة.
«ما وراء الصمت» ليست مجرد مسرحية، بل صرخة فنية تهز كيان المتفرج وتدفعه للتفكير في الواقع المأساوي الذي تعيشه بعض الطفولات في صمت مطبق. النص، الذي أبدعه الزجال والمسرحي عبد الصمد الشاطر، يطرح معاناة الطفولة المهمشة، ويجسدها على الخشبة في قالب درامي مشحون بالرموز والدلالات، يكشف عن خبايا العنف، التهميش، وكبت الأحلام في بيئة غير حاضنة.
و يضم طاقم التشخيص نهيلة الحمدو، مهدي أسد، عبد الصمد الشاطر، وحمزة درويش، الذي قدم أداءً متقناً ومؤثراً، استطاع أن ينقل عمق المعاناة الإنسانية بلغة جسدية وتعبيرية قوية، حيث يبرز التناسق والتناغم بين الممثلين في خلق فضاء درامي متكامل، يشد انتباه الحضور طيلة العرض.
و يقدم المخرج حمزة درويش رؤية فنية واضحة المعالم، استثمر من خلالها بساطة الفضاء في إنتاج دلالات عميقة. السينوغراف حسن التاقي اشتغل على خلق بيئة بصرية تترجم الصمت كفعل مقاومة، مع توظيف مبدع للضوء والظل لتكثيف اللحظات الدرامية.
يتميز العرض أيضاً بالاحترافية التقنية، حيث تكلف أيوب الدوري بالإشراف على الصوت، فيما اهتم حسن التاقي بالإضاءة، لتتكامل العناصر البصرية والسمعية. أما قسم المكياج الذي تشرف عليه نسيمة أخباز، فقد ساعد في تعزيز البعد الرمزي للشخصيات، فيما أدارت نسيبة بطال العرض بكفاءة كمحافظة عامة.
و يحاول هذا العرض المسرحي أن يهز مشاعر الجمهور، ويبعث برسائل قوية حول وجع الطفولة المقموعة، مؤكداً أن الفن يمكن أن يكون مرآة لواقع مؤلم، لكنه أيضاً وسيلة للتعبير والمقاومة. العرض كان مناسبة لتأكيد دور المسرح التربوي والهادف في بناء وعي جماعي بأهمية حماية الطفولة وصون كرامتها.
«ما وراء الصمت» ليست مجرد تجربة مسرحية بل نداء إنساني بصوت مرتفع، يخترق جدار الصمت ويوقظ الضمائر.