عين على أوضاع الجوار الأوربي

2025-10-04T20:39:14+00:00
2025-10-05T05:40:09+00:00
كتاب واراء
4 أكتوبر 2025
عين على أوضاع الجوار الأوربي
رابط مختصر
محمد الغزاوني

“من كابوس مسيّرات بوتين إلى شراء مظلة الحماية العسكرية الامريكية او مدى التشابه مع حالة كابوس ايران بالخليج .؟

منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، والخطاب السياسي والاعلامي الاروبي وخاصة فرنسا ماكرون . يشير إلى هشاشة الأمن الأوروبي في ظل تراجع القدرات الذاتية واعتماد القارة العجوز على المظلة الأمريكية ضمن حلف شمال الأطلسي (الناتو). وفي خضم ذلك، ظهرت تحليلات تربط هذا الوضع بما يُسمّى في الأدبيات السياسية بـ“اقتصاد الحماية”، أي التبعية الأمنية مقابل أثمان سياسية واقتصادية، كما هو الحال – بحسب تلك المقاربات – في علاقة دول الخليج العربي بالولايات المتحدة في مواجهة “كابوس إيران”.

يهدف هذا التحليل إلى فحص مدى وجاهة هذا التشبيه من منظور بنيوي واستراتيجي، والبحث فيما إذا كانت أوروبا حقاً تعيش نسخة “غربية” من معادلة “الأمن مقابل الثمن”.
أولاً: ماذا نعني بالتبعية الأمنية؟
تُعرّف التبعية الامنية بأنها حالة تضعف او تفقد فيها الدولة أو الكتلة الإقليمية او القارية ، القدرة ، على إدارة أمنها الدفاعي دون دعم خارجي، سواء كان ذلك الدعم مادياً أو مؤسسياً . مثلا ، تحالفاً أو مظلة ردع.
من هذا المنطلق، يصبح تحليل العلاقة الأوروبية–الأمريكية والخليجية–الأمريكية مشروعاً للمقارنة، لأن الطرفين يواجهان تهديداً إقليمياً مباشراً (روسيا في أوروبا، وإيران في الخليج) وتظهرالولايات المتحدة كمزود رئيسي للأمن

ثانياً: الوضع الاروبي ، بين التحدي الروسي والمظلة الأمريكية:
منذ بداية الحرب الأوكرانية ، أظهرت الأزمة فجوة واضحة في القدرات الدفاعية الأوروبية. فرغم الإنفاق العسكري الكبير لبعض الدول (فرنسا، ألمانيا، بولندا)، ظلّ العمود الفقري للأمن الأوروبي معتمداً على القدرات الاستخبارية، و النووية، واللوجستية الأمريكية. و ربما هذا ما عبر عنه الرئيس الفرنسي عندما دعى الى تكوين قوة نووية اوروبية بقيادة فرنسا .
ووفقاً لتقارير معاهد اوروبية ، فإن أوروبا ستحتاج إلى ما لا يقل عن عقد من الزمن ومئات المليارات من اليوروهات لتكوين منظومة دفاع مكتفية ذاتياً إذا انسحب الدعم الأمريكي.
إلى جانب ذلك، اتخذت التهديدات الروسية أشكالاً غير تقليدية: الطائرات المسيّرة، الحرب السيبرانية، التخريب الطاقي، والهجمات الهجينة. هذه الأساليب عززت شعور العجز الأوروبي وأحيت فكرة “الحماية الأمريكية” كضرورة استراتيجية لا كخيار ظرفي .
هنا يتجلى ما يمكن تسميته بـ“كابوس المسيّرات الروسية” الذي جعل حتى أكثر الدول الأوروبية ميلاً للاستقلالية (مثل فرنسا) تعيد حساباتها حول جدوى الاعتماد الذاتي.
ثالثاً: التقارب مع النموذج الخليجي
1. البنية الأمنية:
في الخليج، تشكل الولايات المتحدة الضامن الرئيسي لأمن الخليج منذ حرب الخليج الثانية (1991)، عبر قواعد عسكرية دائمة وصفقات تسليح ضخمة واتفاقيات دفاع مشترك.
يقوم النموذج الخليجي على المعادلة الصريحة للأمن مقابل الثمن: حماية مقابل شراء الأسلحة أو منح تسهيلات استراتيجية.

في المقابل، يقوم النموذج الأوروبي على شراكة مؤسسية داخل الناتو، أي على تحالف متعدد الأطراف لا على تبعية أحادية كما النموذجالخليجي . لكن مع ذلك، تظل الولايات المتحدة الطرف المهيمن في هذا التحالف عسكرياً وتقنياً وقيادياً.
2. طبيعة “الثمن”:
في الحالة الخليجية، الثمن واضح ومباشر: عقود تسليح بمئات المليارات، ووجود عسكري أمريكي فعلي على الأرض.
أما في الحالة الأوروبية، فالثمن يأخذ شكلاً سياسياً واستراتيجياً أكثر من كونه مالياً:
قبول القيادة الأمريكية في تحديد أولويات الدفاع الجماعي.
اصطفاف سياسي أعمق مع واشنطن في ملفات مثل الصين وإيران والطاقة.
التراجع النسبي عن فكرة “الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي” التي كانت تُروَّج قبل الحرب الأوكرانية.
3. الفارق في المكانة وقضايا السيادة:
تحتفظ أوروبا بقدرات اقتصادية وسياسية مستقلة تجعلها شريكاً أكثر من كونها تابعاً بالكامل. في حين أن دول الخليج – بحكم الجغرافيا وصغر الحجم الاستراتيجي – تقبل مستوى أعمق واشمل في ارتباطها الأمني بالولايات المتحدة .
رابعاً: “كابوس المسيّرات” في الوضع الأوروبي:
تُستخدم فكرة “المسيّرات الروسية” مجازاً للدلالة على التغير في طبيعة التهديد: من مواجهة نظاميّة إلى تهديدات منخفضة الكلفة وصعبة الردع.
هذا التحول أجبر الأوروبيين على التسليم بأهمية القدرات الأمريكية في مجالات الاستطلاع والاستخبارات والتكنولوجيا الدفاعية.
بهذا المعنى، “الكابوس” ليس مجرد سلاح روسي، بل رمز للضعف البنيوي الأوروبي أمام تهديدات غير متكافئة.
وهكذا ، ورغم التشابه بين النموذجين (الخليجي والأوروبي)، فإن الفوارق الأساسية تكمن في:
طبيعة التبعية الخليجية الخليجية هي تبعية أمنية ثنائية اما التبعية الاروبية فتاخذ شمل شراكة متعددة الأطراف(حلف الناتو)
الثمن الخليجيى مادي مباشر وسياسي ، ومن ضمن اهداف الحماية مسالة الحفاظ على استمرارية الانظمة واستقرار المنطقة.
و مصدر التهديد إقليمي (إيران) اما الحالة الاروبية فهي مختلفة بعض الشيء من حيث مستوى التنازل عن السيادة ومن حيث طبيعة التهديد الذي هو تهديد قوة ذات مكانة دولية وتقود تحالفات (روسيا)
و بناءً عليه، يمكن القول إن أوروبا لا “تدفع ثمن الحماية” كما تفعل دول الخليج، لكنها تتنازل عن جزء من استقلال قرارها الاستراتيجي مقابل استمرار المظلة الأمريكية. وهذا شكلٌ من أشكال التبعية المرنة لا الصريحة.
ونستنتج ان التشابه بين “كابوس المسيّرات الروسية” و“كابوس إيران” يحمل قيمة رمزية قوية، لكن لا يمكن النظر اليه بانه كتبعية متطابقة بصورة كاملة.
فحالة أوروبا تشترك مع الخليج في منطق الاعتماد الأمني، إلا أنها تختلف في طبيعة الثمن، مستوى السيادة، ونطاق التهديد.
فالأرجح أن العلاقة الأوروبية-الأمريكية تُعبّر عن “شراكة اضطرارية” أكثر منها تعبير عن “حماية مأجورة”.
ومع ذلك، فإن استمرار الحرب في أوكرانيا، وتزايد الضغوط الاقتصادية والعسكرية، قد يعيدان تشكيل هذا التوازن بحيث تقترب أوروبا – ولو جزئياً – من نموذج التبعية الأمنية الذي طال امده في الشرق الأوسط.

محمد الغزاوني
04/10/2025