جاء في خطاب جلالة الملك بمناسبة عيد العرش 2025 ، دعوته نصره الله ، الى ان يتم تعديل القوانين الانتخابية مشددا على أن تكون المنظومة العامة المؤطرة لانتخابات 2026 معروفة و معتمدة قبل نهاية السنة الجارية . و كما هو معروف فقد كلف جلالة الملك وزارة الداخلية بفتح مشاورات مع مختلف الفاعلين .وفي هذا السياق كان السيد وزير الداخلية قد اجتمع يوم السبت ثاني غشت 2025 ،مع الامناء العامين للأحزاب السياسية ،و دعاهم الى تقديم مقترحاتهم بشأن تعديل القوانين الانتخابية. قبل نهاية شهر غشت 2025.
واذا كانت دعوة جلالة الملك تعبر عن إرادة سامية تستهدف اصلاح المشهد السياسي و المزيد من تخليق الممارسة السياسية في البلاد . فان هناك من يتمنى بان تستغل هذه الدعوة الكريمة لاصلاح أوسع يكون من شانه اغلاق المنافذ امام الفساد الانتخابي والسياسي وذلك بأن يرفق هذا التعديل، بتعديلات اخرى تمس القانون التنظيمى لمجلس النواب وقانون الأحزاب السياسية بما يصحح مفهوم الحزب السياسي ويقوم الاختلالات الخطيرة للحياة الحزبية وخاصة مسألة الديمقراطية الداخلية واساليب التصرف في مالية الأحزاب وترشيحاتها للانتخابات ، وهذا يؤدي بنا الى ضرورة أن تمتد يد الاصلاح الى مراجعة التمويل العمومي للأحزاب بما يحميه من التصرفات الميزاجية و يعزز فعاليته و توظيفه السليم في خدمة المصلحة العامة ويربط ذلك الدعم بمدى التزام هذا الحزب أو ذاك باداء الادوار والمهام التي حددها دستور المملكة . فمن العيب أن تتلقى احزابا سياسية دعما ماليا عموميا وهي لا تساهم لا في تاطير المواطنين ولا في انتاج الأفكار والدراسات او انتاج المخططات بما يرتبط موضوعيا بدور الحزب في الحياة الوطنية ودوره كمؤسسة اقتراحية . لسنا هنا بحاجة إلى ذكر احزاب تتوصل بدعم مالى
رغم غيابها عن الساحة ومنها ما يعبر عن وجوده من وقت لآخر بإصدار امينه العام بيانا انشائيا.بهذه المناسبة او تلك .
ثانيا : ما النتائج المحتملة من المشاورات الجارية حول تعديل القوانين الانتخابية. ؟
الإجابة عن هذا التساؤل . يحيلنا الى طرح عدة وقائع ومعطيات لا بد من أخذها بعين الاعتبار . منها :
ـ. مدى إمكانية إجراء مشاورات حقيقية و سليمة داخل الأحزاب السياسية ، خلال اقل من شهر . ومدى توفر النية الصادقة في الاصلاح ؟
بكل صدق وموضوعية ، فالسياقات السياسية و الاكراهات الزمنية، وكذلك ما تعودناه إلى تاريخه في بلادنا . كلها تطرح امامنا علامات استفهام حول مدى جدية وعمق المشاورات بخصوص هذا الامر الهام .
فالاكراه الزمني وظرفية العطلة الصيفية جعل الأحزاب السياسية ملزمة. بصياغة مذكراتها في حيز زمني لا يسمح حتي للاحزاب الجدية منها بإجراء مناقشات كافية وايجاد أرضية مشتركة بين القيادات الحزبية لبناء مضامين مذكراتها . ومما رأيناه في هذا السياق أن بعض الأحزاب جمعت اجهزتها ونظمت مشاورات حول الموضوع لكن هناك بعض الامناء العامين ـ من اجل الايحاء بأنهم تشاوروا مع تنظيماتهم ـ طالبوا من اعضاء المكاتب السياسية ومن المواطنين موافاتهم بارائهم واقتراحاتهم .وان الامين العام سيتولى صياغة مذكرة الحزب . و منهم من قام بتسليم مذكرته الى وزارة الداخلية ،رغم ان قيادة الحزب ، تجهل مضامينها بل ان بعضهم بعد مرور فترة زمنية التجأ الى ارسال مذكرته لاعضاء المكتب السياسي وطالبهم بتركها سرا حزبيا داخليا ، والغريب انه عاد هو نفسه ليعلن بانه سينظم ندوة صحفية لتقديم مذكرة حزبه.
ـ. وجدير بالذكر اننا تعودنا على الطابع الشكلي، الذي تتخذه المشاورات في بلادنا حول مثل هذه القضايا. ولا داعي هنا للتذكير بتحارب سابقة ـ كتلك التي جرت خلال سنوات 2011ـ 2016ـ و 2021 . فغالبا ما تكون هناك مشاورات استعراضية ، سريعة محدودة و شكلية . وذلك حتى داخل الأحزاب نفسها .
لعل هذا ما يجعل بعض المهتمين يتخوفون ان تكون هذه المشاورات عبارة عن عملية “تكتيكية” لتمرير اصلاح دون ضجيج مجتمعي . وفي ذلك ما جعل البعض يعتقد بأن القرارات الأساسية ستتخذ في إطار ضيق جدا بين الحكومة والاحزاب النافذة . والحال ان البلاد في حاجة إلى صياغة اصلاح واسع وعميق .
ـ. وهذا ما يؤدي بنا إلى التساؤل حول مدى توفر مؤشرات صدق النوايا من وراء هذه المشاورات ؟
نعتقد بان اهم المؤشرات التي تدل على صدق النوايا تكمن في مدى تناول قضايا وملفات لها علاقة وثيقة باصلاح مدونة الانتخابات. و منها مابقي مؤجلا منذ سنوات …صحيح ان اصلاح القوانين الانتخابية مسألة ضرورية لوضع حد للكثير من الاختلالات التي تغذي دواعي عدم الثقة في انتخاباتنا .لكن ذلك وحده لا يكفي . فله علاقة وطيدة بقوانين وقضايا اخرى . منها القانون التنظيمي للبرلمان و قانون الاحزاب الى جانب مسألة مساطر تخصيص حصص الدعم العمومي التي تتطلب المزيد من الضبط ليكون دعما عادلا وشفافا. جديا وذي مردودية حقيقية على مستوى الصالح العام .
الى جانب ذلك . فان قياس مدى صدق النوايا يرتبط كذلك بمدى التطرق إلى ملفات جد أساسية ، نذكر منها:
*. المشاركة السياسية للمغاربة المقيمين في الخارج .
*. الفصل الحاسم في مسألة القاسم الانتخابي .
*. مسألة مساطر وكيفيات تمويل الحملات الانتخابية ، وتوزيع الحصص الزمنية لاستغلال الاعلام العمومي .
*. تجديد اللوائح الانتخابية ، بدل الحديث فقط عن مراجعتها. او على الاقل تنظيفها ما أمكن مما تراكم فيها من شوائب وثغرات . و سن عقوبات زجرية في حق كل من يلجأ إلى محاولة استغلال ما تتضمته هذه اللوائح من عيوب .
وهكذا … فاننا نشيد بالقرارات الإصلاحية التي دعى اليها جلالة الملك . و في نفس الوقت ننبه الى ضرورة الابتعاد عن كل محاولة للالتفاف عليها ، و نأمل أن يستجيب ، كل الفاعلين، بصدق و بارادة قوية في الاصلاح االذي مافتيء يدعو له جلالة الملك . كما نأمل في أن يتم التوقف فورا عن الريع السياسي متعدد الاوجه وخاصة منه استعمال المال الانتخابي. واقحام البنين والبنات والزو جات والخليلات في لوائح المترشحين . و المنع الصارم لتضارب المصالح باعتباره من بين اكبر مداخل واوجه الفساد … و لعل هذه المباديء ستياعد في جعل الأحزاب السياسية قادرة على استقطاب الاطر و الكفاءات و النساء والشباب. و على تجديد النخب ، و ضع حد لحزب القائد الابدي ، ليفسح المجال أمام نماذج الحزب الوطني حامل المبادئ والقيم الفضلى … حزب المناضلين الاوفياء للمصالح الوطنية العليا و لمطالب وانتظارات المواطنين . ولعل في ذلك ما يبعد عنها وصف المتاجر السياسية .
و لعل في ذلك ما يزرع الامل و يقوي التوجه نحو المشاركة السياسية . و يضعف ميول العزوف التى تهدد تجربتنا الديمقراطية و تقلل من مشروعية مؤسساتنا التمثيلية .
لقد كانت دعوة جلالة الملك فرصة سانحة أمام المجتمع السياسي وكل الفعاليات ذات الصلة . لانطلاق التفكير في اصلاح اشمل . لكن سجلنا ، باسف ،الى تاريخه، ضعف التفاعل مع هذا الموضوع . من طرف الأحزاب والحكومة والاعلام العمومي . و هذا ما يثير اكثر من سؤال. حيث ان اعلامنا ما زال لم ينفتح على خلق نقاش عمومي حر ، مما يؤكد ان هذا الاعلام غالبا ما لا يتحرك الا اذا تلقى اشارات بذلك .
و الحال ان بلدنا يتعرض في هذه الظرفية الى حملات إعلامية تهدف الى الانتقاص من مكانته و الى تشويه مؤسساته … لقد كان على اعلامنا أن يستغل النقاش الداخلي. حول الاستعداد لانتخابات 2026 ، لمواجهة الحملات المعادية التي تتوخى اضعاف الثقة. لدى المغاربة . والتقليل مما حققه المغرب من نمو و نجاحات و اختراقات ديبلوماسية . و يدخل ذلك ايضا ضمن محاولات التشويش على مفاوضات المغرب الحساسة مع الاتحاد الاروبي. لكن من غير المفهوم ان يستمر الصمت ليكون هو سيد الموقف.
اما الأحزاب السياسية ، فيلاحظ ان مواقف الكثير منها يغلب عليه التردد و الضعف في الجرأة على خلق فرص النقاش وتبادل الرأي. وقد يكون ذلك من مؤشرات الخشية مما قد يحركه هذا الملف من انتقادات و صراعات بين مكونات هذه الأحزاب . خاصة ما يتعلق بقانون الأحزاب و بالتمويل العمومي و اختيار المترشحين وتزكياتهم . ومسألة الهيمنة على أجهزة الحزب والانفراد بالقرارات . واقصاء و تهميش المكاتب السياسية والمناضلين . من طرف العديد من الخالدين من الامناء العامين الذين يضعون قوانين أساسية على مقاسهم .
و امام ما نلمس من تكتم حكومي حول هذه التعديلات . قد نذهب الى فهم ذلك بأنه علامة على أن هناك نقاش داخلي يجري في الكواليس بين الحكومة والدوائر الحزبية الضيقة . والابتعاد ما أمكن عن الاستماع إلى الرأي العام الذي قد يطرح ماهو أوسع من مجرد القوانين التي حتى عندما تعتمد قد يتم تفعيلها بصورة مشوهة .
وهناك من يذهب الى القول بان بعض القرارات والتوصيات بشأن التعديلات المطلوبة. قد حسم امرها .ولا ينتظر الا الوقت المناسب لاعلانها . خاصة أننا تعودنا ان تظهر التوافقات بشكل مفاجيء بعد فترات صمت سياسي و اعلامي .
فما السناريوها المنتظرة مما قد يعلن من توافقات حول انتخابات 2026؟
السيناريو الأول :
قد يتم الاكتفاء ببعض التعديلات البسيطة مثل فتح المجال للتسجيل في اللوائح الانتخابية وبعض التعزيزات التقنية للشفافية .بهدف جعل الرأي العام يعتقد بأن هناك استجابة لدعوة الاصلاح .لكن قد تستمر توازنات المشهد السياسي الذي يعطي الأفضلية للأحزاب المهيمنة .
السيناريو الثاني :
خفض العتبة الانتخابية والاحتفاظ بالقاسم الانتخابي الحالى ، وذلك للسماح ببعض الاستفادة للأحزاب الصغرى والمتوسطة . وقد يتم إدماج تدابير جديدة تتعلق بالنساء والشباب . ولا ندري هل سيعطى للمغاربة المقيمين في الخارج مكان ما .؟
السيناريو الثالث :
قد تسن تعديلات طفيفة في نمط الاقتراع للحد من البلقنة السياسية (تشتيت الخريطة السياسية )
السيناريو الرابع :
قد تكون هناك تعديلات تقنية وسياسية ترضي الأحزاب الكبرى. . واظهارها بأنها كانت ثمرة لتشاور واسع .و الحال ان الجميع يعلم بان هناك إقصاء كبير مس العديد من الفعاليات الفكرية والاجتماعية . ويظهر بأن هذا السيناريو هو الاقرب لان يتم الاخذ به .
محمد الغزاوني
في 16 غست2025.
