بقلم منى بنحدو
لا يختلف اثنان على أن الصراعات بين الأجيال واقع لا يمكن إنكاره. فكل جيل يختار لنفسه مسميات خاصة، ويعتقد أنه الأذكى والأكثر وعيًا من الجيل الذي سبقه، لتنعكس هذه التوترات في قلب الأسرة قبل أي مكان آخر. ومن رحم هذه التفاعلات خرج إلى الواجهة جيل جديد اختار لنفسه اسم جيل «زيد 212»، وهو جيل وُلد في عالم مفتوح، محكوم بالتكنولوجيا، ومثقل بضغط الواقع العالمي.
لقد وجد هذا الجيل نفسه أمام فضاء بلا حدود، حيث المعلومة متاحة، والصوت مسموع، والاحتجاجات ممكنة. ومن هنا انطلقت شرارة التعبير والاحتجاج للمطالبة بحقوق مشروعة نص عليها الدستور: الصحة، التعليم، ومحاربة الفساد. هذه المطالب لا تخص جيلًا بعينه، بل هي قضية مجتمع بأكمله، بجميع أجياله.
لكن يبقى السؤال الجوهري: هل هذا الجيل الذي يطالب بحقوقه، يؤدي واجباته الوطنية؟
الواقع يكشف جانبًا معقدًا. فبينما يرفع شعار العدالة والحق، يعاني جزء من هذا الجيل من نزعة استهلاكية مفرطة، وسلوكيات يغلب عليها الأنانية داخل محيطه الأسري. كثير من تصرفاته اليومية تعكس تقليدًا أعمى لا أصالة فيه، سواء في البيت أو الشارع أو المدرسة أو في علاقته بالمؤسسات. العلاقة مع الآخر تفتقر غالبًا إلى الاحترام والتقدير المتبادل.
وهنا لا بد من التوقف عند دور التربية، تلك التي تراجعت أمام شعار التعليم. لو لم يُفصل التعليم عن التربية كما كان في الأجيال السابقة، لما بلغنا هذا الحد من الفجوة. فالمطالبة بالحقوق لا تنفصل عن أداء الواجبات، لكن الخطاب العام يغفل هذه المعادلة الأساسية.
صحيح أننا لا نقلل من ذكاء هذا الجيل ولا من فطنته، لكن لا يمكن تجاهل أن كثيرين تم التلاعب بهم واستغلالهم من دون وعي بخطورة الموقف أو إدراك لأهداف من يقف خلفه. فهم لا يمتلكون مواقف سياسية واضحة، ولا قيادة موحدة، ولا رؤية أو استراتيجية قصيرة أو بعيدة المدى. مجرد مجموعات رقمية تتحرك في فضاء افتراضي بلا بوصلة واضحة.
وبذلك أصبح هذا الجيل، من حيث لا يدري، أداة تُستخدم لتحقيق أهداف غيره، حتى وإن كان الغطاء «مطالب مشروعة». وهنا يظهر السؤال الأكبر: من يتحمّل المسؤولية؟
هل هي الأسرة التي تخلّت عن دورها التربوي؟
أم الأحزاب التي فشلت في تأطير الشباب؟
أم الحكومة التي خلقت فجوة عميقة وفشلت في تنزيل مشاريعها الإصلاحية؟
عندما يتصرف هذا الجيل وكأنه الوصي على كل شبابه، من دون تأطير سياسي أو وعي عميق، يصبح عرضة لأن يتحول إلى بيدق في لعبة تمس استقرار الدولة. فالقيادة لا تُمنح، بل تُكتسب أولًا من خلال تحمّل المسؤولية تجاه الأقرب: الوالدين، المعلم، المسنين، والمجتمع من حوله. القيادة تبدأ باحترام الشارع، والقانون، والنظام.
كيف يمكن الوثوق بجيل يطالب بالصحة وهو لا يعتني بصحة من حوله ولا بصحته أصلا؟
يطالب بالتعليم وهو لا يحترم المعلم ولا العملية التعليمية؟
يستنكر الواقع وهو غارق في العالم الافتراضي، مستهتر في احترام القانون، مشارك في نشر التفاهات وتشجيعها، بل وغالبًا أول من يلوّث البيئة التي يطالب بتحسينها.
إن هذا المشهد لا يلغي المطالب المشروعة التي ينادي بها، لكنه يكشف جانبًا من الخلل في المعادلة: بين حق يُرفع عاليا وواجب يُهمَل تمامًا. وهنا يكمن عمق الإشكال.
