ان الانخراط المباشر للولايات المتحدة الأمريكية في حرب اسرائيل ضد ايران ،يعد أمرا على درجة كبيرة من الخطورة . ويجعل دول الجوار امام تحديات جد معقدة وخطيرة ، وهذا ما ساتناوله من الجوانب التالية :
1ـ صمت دول الجوار . هل هو ناتج عن عدم إدراكها للمخاطر المحدقة بها ام عن الضغوط الممارسة ؟
ان العنصر الاول الذي يفرض نفسه على المحلل الذي يحاول فهم هذا الصمت ،هو تعدد الضغوط الممارسة على دول المنطقة الى جانب التهديدات الأمريكية والغربية . وهذا ما جعل دول جوار هذه الحرب تتجنب الى اليوم اتخاذ مواقف واضحة ، ان هذه الدول تخشى من تهديدات جد واسعة . واولها في اعتقادي ، الخشية من فقدان الدعم السياسي والعسكري والعقوبات الاقتصادية .
بالاضافة الى اقدام اسرائيل على اطلاق تهديداتها بتغيير أنظمة الحكم واسقاط الحكام وقتلهم بالقوة .وإعادة رسم خريطة الشرق الاوسط ويظهر انها تتناغم في ذلك مع امريكا والغرب عموما ، و نتذكر ان السيد دونالد ترامب سبق أن تاسف لكون خريطة اسرائيل صغيرة … فلا نستغرب والحالة هذه ان تكون دولة مثل الاردن والعراق ودول الخليج ، على وعي تام بأن اي تدخل او انحياز اوحتي رفض للتهديدات , سيجعلها ساحة حرب ، وانظمتها مهددة بالسقوط و قادتها مستهدفون بالتصفية الجسدية .
ت ولهذا فإن الصمت الظاهر لهذه الدول ، يعبر عن نفسه في شكل انتهاج حذر سياسي ، وممارسة لأسلوب التوازن في العلاقات مع اطراف الصراع (امريكا وايران واسرائيل) و باقي القوى الدولية ( الصين وروسيا ), واكتفائها بانتظار مآلات الصراع.
2ـ هل دول الجوار غير مدركة لحجم اخطار هذه الحرب المدمرة وما ستفتحه من ابواب ومسارات لم تكن معهودة من قبل ؟
يمكننا القول ودون تردد، انه من المستبعد جدا ان نعتقد بأن هذه الدول لا تدرك المخاطر المحدقة بها وما يستهدفها من مخططات رهيبة من جراء ما يجري في المنطقة .
فامام سرعة توسع الحرب الى ايران بعد غزة والضفة الغربية وامام مطالبة سكان طهران باخلاء مدينتهم بعد التهديد بتهجير سكان غزة وتوطينهم بالقوة في بلدان اخرى . فإننا نفترض ان تكون هذه الدول تمارس منفردة ، المساعي الدبلوماسية من وراء الستار بالتماس ضمانات بعدم التعرض لامنها و تهديد حياة قادتها. صحيح ان بعض هذه الدول تراهن على قيامها بوساطات . واحيانا الدعوة للتهدئة . لكنها لا تقوى على اعلان مواقف.
و يظهر ان الرهان على الحياد والتفرج بالشكل الحالى ، يبدو انه موقفا محفوفا بالمخاطر . وخاصة إذا تطور الصراع الثنائي الى حرب شاملة .
3ـ ما التحديات المحدقة بدول منطقة الصراع؟
ان الانخراط المباشر لامريكا في الحرب الى جانب اسرائيل غير خاف انه يدخل ضمن مخططات تتعلق بصراع له ابعاد دولية ….فمن المحتمل ان يؤدي ذلك الى اضطرابات أمنية ستتاثر بها دول الخليج والعراق وسوريا ولبنان. خاصة منها :
ـ. مخاطر استهداف البنيات التحتية النفطية و طرق الامدادات الطاقية .
ـ. مخاطر انتعاش النشاطات العنيفة والحركات المسلحة ، وخاصة في الدول الهشة أمنيا .
ـ. مخاطر تصاعد الغضب الشعبي (براميل الغضب التي امتلات بفعل مشاهد شلالات الدم واهوال الإبادة الجماعية والطغيان والتجبر ) . هذا الغضب قد يغطي كل الدول التي تمارس الحياد وسياسة الصمت ، و يعد من الادوات المحتمل الاستثمار فيها من طرف الدول الغربية فى إطار سعيها الى إعادة ترتيب اوراق واوضاع المنطقة .
خلاصة القول ان صمت دول جوار هذا الصراع المتصاعد وسريع التطور ، هو موقف ناتج عن حسابات جد حساسة لا تدرك الشعوب تفاصيلها . و عن خوف من الوقوع في الانزلاق نحو صراع اكبر من قدرات هذه الدول وهي متشرذمة.
والنتيجة التي تظهر في الافق ، ان هذا الصمت الطويل قد يتسبب في تهديد وجودي لهذه الدول اذا لم تبادر باتخاذ مواقف وقائية عبر الدبلوماسية الفاعلة وعبر تحصين الجبهات الداخلية وتحصين شعوبها من الاختراق.
محمد الغزاوني: رئيس جمعية مبادرة للمواطنة والحقوق .